دولار قوي، و بيانات أوروبية سلبية و اليورو تخور قواه
تشهد الأسواق المالية في العام حالة من عدم الاستقرار وسط ازدياد البيانات السلبية التي تظهر من الدول العظمى من العالم. إن المتداولين الآن في حيرة من أمرهم، بين سلبية البيانات و ما قد تسفر عنه من قرارات من قبل الفيدرالي الأمريكي هذه البيانات السلبية. فالبيانات السلبية تعني ارتفاع احتمال دعم الفيدرالي الأمريكي للاقتصاد من خلال سياسة تخفيف كمي، لكن البيانات السلبية بحد ذاتها تظهر لنا الضعف الكبير في الاقتصاد الدولي متمثّلاً في الدول العظمى و الكبرى فيه.
يوم أمس، أظهرت بيانات مؤشر ADP للوظائف الخاصة الأمريكية نمواً أضعف من التوقع، و كذلك أهرت بيانات مؤشر سويسرا انخفاضاً في نمو الاقتصاد خلال الربع الثاني من هذه السنة. من ألمانيا، أظهرت بيانات النمو تباطؤ شديد في نشاطات الاقتصاد ليكتفي في نمو مقداره 0.1% خلال الربع الثاني، هذا و من فرنسا و إيطاليا أظهرت بيانات مؤشر مدراء المشتريات انكماش قطاع التصنيع، مما انعكس على شكل انكماش في القطاع في الاتحاد الأوروبي خصوصاً و أن المؤشر الألماني أظهر وقوف القطاع عند مستويات قريبة من حالة اللانمو.
بذلك، نرى بأن البيانات الاقتصادية الأوروبية سلبية اليوم، و مع البيانات الأمريكية السلبية، مزج اليوم ضعف اليورو مع ارتفاع في سعر صرف الدولار الأمريكي، فالبيانات الأمريكية السلبية تزيد الطلب على الأصول المنخفضة العائد و التي منها الدولار، فيما تنعكس سلباً على العملات مرتفعة العائد و التي منها اليورو، و في نفس الوقت، كانت بيانات أوروبا هي القاصمة هذا اليوم لينخفض اليورو مقابل الدولار الأمريكي بعد أن خارت قواه بعد معاناة طويلة و محاولات جاهدة لأن يستقر اليورو في مستوياته المرتفعة رغم البيانات السلبية التي صدرت سابقاً.
انخفض سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي هذا اليوم بشكل كبير، و قد انخفض بعد أن لامس الأعلى له عند 1.4385 لينخفض مسجّلاً الأدنى عند سعر 1.4261 دولار لليورو الواحد. إن الانخفاض القوي في سعر صرف اليورو هو لليوم الثالث على التوالي مقابل الدولار، حيث استطاع سعر صرف اليورو خلال هذا الأسبوع ملامسة مستوى 1.4548 قبل أن ينخفض هذا الانخفاض القوي لثلاث أيام متتالية. إن التحليل الفني يظهر أن سعر صرف اليورو استطاع كسر مستوى هام جداً هو 1.4365 و الذي تبعه مستوى 1.4300، لكن من الأسفل، هنالك الدعم 1.4260-1.4255 و الذي قد يكون مصير اليورو متعلق به هذا اليوم، فكسر ذلك الدعم قد يمدد من الاتجاه الهابط، فيما العودة للتداول فوق 1.4365 مطلوبة لإعادة الإيجابية لتداولات اليورو مقابل الدولار الأمريكي.
قوّة الدولار ظهرت على زوج الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بشكل واضح هذا اليوم أيضاً، حيث أن الزوج انخفض بعد أن اكتفى في الأعلى عند سعر 1.6269 دولار للجنيه الإسترليني الواحد، و فشل ثبات الزوج فوق مستوى 1.6250 المحوري، سبب اتجاهاً هابطاً تم من خلاله ملامسة الأدنى عند 1.6193 دولار للجنيه الإسترليني الواحد. إن مستوى الدعم 1.6205 يمثّل فاصلاً بين احتمالية استمرار الاتجاه الهابط و احتمال اختبار مستويات بعيدة قد تصل إلى 1.6025، أو العودة للإيجابية، و الزوج حالياً يتداول قريباً من هذا المستوى مما يجعل تداولات الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي الآن حساسة جداً.
مؤشر مدراء المشتريات الصناعي البريطاني اليوم لم يكن أفضل مما شهدنا في أوروبا، فقد أظهر المؤشر انكماش القطاع خلال شهر آب، و هذا قد يكون ضاغطاً بشكل كبير على الجنيه الإسترليني، و الذي بالرغم من أنه يعتبر عملة ذات عائد منخفض، إلا أن البيانات السلبية و التباطؤ الحاد في الاقتصاد، يدفع المتداولين لجني الأرباح بل و القيام بعمليات بيع على الجنيه مقابل الدولار.
في انتظارنا للبيانات الاقتصادية الأمريكية هذا اليوم ،و التي منها بيانات طلبات الإعانة الأسبوعية التي يتوقّع لها أن تظهر انخفاضاً، لكنه ما زال فوق مستوى الـ 400 ألف طلب، سوف يكون التركيز أكثر على بيانات مؤشر معهد التزويد الصناعي لشهر آب/أغسطس، و الذي من المتوقع أن يظهر لنا أول انكماش في قطاع الصناعة الأمريكي منذ سنتين، و هذا طبعاً قد يكون تأثيره سلبي جداً على الثقة في الأسواق المالية.
لكن في المقابل، أشرنا في البداية إلى أن المتداولين الآن قلقون جداً بسبب البيانات السلبية، لكن في نفس الوقت، ضعف البيانات يعطي احتمال بأن يدعم الفيدرالي الأمريكي الاقتصاد و يدخل من أجل منع ركود الاقتصاد الأمريكي مجدداً من خلال سياسة تخفيف كمي ثالثة، لكن الآن يبدو على المتداولين القلق الكبير، و هم يبتعدون عن الأصول المرتفعة العائد و يتّجهون إلى الأصول المنخفضة العائد، و انخفضت مؤشرات الأسهم الأوروبية الرئيسية اليوم، و كذلك العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأمريكية.
إن القلق في الأسواق المالية يدفع سعر صرف الين الياباني للارتفاع في العادة، لكن هذا اليوم نراه و قد انخفض بشكل حاد ( نسبياً! ) مقابل الدولار الأمريكي، فقد ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي اليوم من مستوى 76.55 ين إلى مستوى 77.23 ين للدولار الأمريكي الواحد، و ما زال الزوج يتداول قرب أعلى مستوياته لهذا اليوم، بل عند أعلى مستويات له هذا الأسبوع.
ليس هنالك إشارات واضحة عن تدخّل بنك اليابان أو احد الجهات اليوم في سعر صرف الين الياباني لإضعافه، لكن في الحقيقة، الاتجاه نحو الدولار الآن كبير، و يبدو أن عمليات جني أرباح في الأسواق المالية يتم تصفيتها، و كانت المراكز المالية تتخذ الدولار طرفاً لها، و طبعاً هو الطرف الذي تم بيعه سابقاً، و اليوم عند إغلاق المراكز المالية، عاد المتداولون للدولار كعملة نقدية و أصل منخفض العائد، مما دفع سعره للارتفاع مقابل الين الياباني بشكل واضح، فالين لم يكن اليوم محظوظاً كما كان الدولار الأمريكي.
في الحقيقة، إن ثبات سعر صرف الين الياباني فوق مستوى 76.95-77.20 يعطي احتمالاً لأن نرى مزيداً من الاندفاع الصاعد في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني. لكن، هذا اليوم و يوم غد سوف نكون مع أجندة اقتصادية مليئة في البيانات الهامة، و قد تكون سبباً في تذبذب كبير جداً في الأسواق المالية.
باختصار شديد، العملات الأجنبية سوف تتأثر بشكل كبير في البيانات الاقتصادية، لكن يجب أن ننبه أن إلى التذبذب هو المتوقع، حيث أن البيانات السلبية جداً تعني احتمال تدخّل الفيدرالي لدعم الاقتصاد، لكنها في نفس الوقت تعني اقتراب الاقتصاد الأمريكي و العديد من الاقتصاديات الأخرى من الانكماش، و هذا ما قد يعطي أفكاراً متضاربة، و نتيجة هذه الأفكار اليوم كانت طلب الدولار لتصفية مراكز مالية، و الاتجاه نحو الأصول المنخفضة العائد، لكن ماذا سوف تكون نتيجة هذا الاختلاط و التضارب في الأفكار على الدولار الأمريكي قد يكون من الصعب التنبؤ به، و هذا يحثّنا على النصح باتخاذ الحيطة و الحذر بين متداولين أسواق العملات الأجنبية، ليس غداً فقط، بل اعتباراً من هذا اليوم و هذه اللحظة في انتظار بيانات اقتصادية هامة اليوم أيضاً.