في الوقت الذي يصبح فيه القراصنة الصوماليون بصورة متزايدة أكثر جرأة، يتم تصويرهم بصورة منتظمة في الصحافة على أنهم معتدون آثمون، يأخذون الأبرياء رهائن لمقايضتهم مقابل فدية ضخمة. هناك قدر من الحقيقة في هذا التصوير: ففي الآونة الأخيرة اختطفت إحدى عصابات القراصنة ناقلة نفط متوجهة إلى الولايات المتحدة حتى في الوقت الذي تبين فيه أن عصابة أخرى قتلت اثنين من البحارة الفلبينيين في أواخر كانون الثاني (يناير) بعد مهمة إنقاذ فاشلة. لكن هناك طريقة أخرى لتقييم هؤلاء القراصنة، وهي أن ننظر إليهم على أنهم رجال أعمال استطاعوا بذكائهم أن يدركوا حركة التجارة وكيفية الحصول على حصتهم.
إن ازدهار صناعة القرصنة مجاز يصور بدقة اقتصاد العولمة. كل ما تريد معرفته تقريباً عن كيفية صنع المال وخسارته موجود بصورة مصغَّرة في المعارك اليومية التي تجري بين ربابنة السفن وقوارب القراصنة في حوض الصومال.
لنبدأ بالقاعدة الأولى، وهي أن تعرف زبائنك. من الأمور المهمة التي تعيننا على فهم الصورة الحديثة للشركة متعددة الجنسيات هي أن ندرك أنها تكره الإحراج. لاحظ أن تلك الشركة حين تجد نفسها في مواجهة أي تحد من التحديات، سواء جاء ذلك من إحدى جماعات الضغط، أو من الحكومة، أو من مراهق غريب الأطوار على تويتر، فإن ردة فعلها الغريزية هي أن يبدو عليها الانزعاج وخيبة الأمل والانطواء. ثم تخيل ما يمكن لها أن تفعل حين تجد نفسها في مواجهة شعب فقير لديه مجموعة من البنادق: سيكون موقفها هو الاستسلام وعدم القتال. ما يؤكد ذلك هو أن معظم شركات الشحن لا تسمح لحراسها حتى بحمل الأسلحة. هذا الأمر ليس من النوع الذي يريد قسم الموارد البشرية في الشركة أن يخوض فيه. كل ما يتعين على القراصنة فعله هو الاستيلاء على إحدى السفن، ثم الإبحار بها إلى الميناء، ثم طلب بضعة ملايين من الدولارات مقابل الإفراج عنها. وطالما كان القراصنة لا يقومون بإيذاء أي شخص (وهم في العادة لا يفعلون ذلك)، فهذا يعني أنهم يفهمون أن الشركة العالمية الحديثة ستدفع المبلغ المطلوب دائماً، حتى تجعل المشكلة تختفي من الوجود.
القاعدة الثانية، مع التغير في الاقتصاد، حافظ على المرونة وكن مستعداً لإعادة تشكيل نفسك. لم تكن الصومال دائماً موطناً للقراصنة. فقد كانت حرفتها الرئيسية في منطقة بونتلاند، التي هي مركز القراصنة، هي صيد الأسماك. لكن بعد انهيار الحكومة لم يكن من الممكن فرض سيادتها على مياهها الإقليمية، وبالتالي جاءت أساطيل أخرى وسرقت ''المحصول''. لكن كما يقول المثل السائر، هناك دائماً أسماك أخرى في البحر. في الوقت نفسه، كانت آلة التصدير الصينية العملاقة تتحرك وتنشط، مرسلة كميات من المواد إلى أوروبا. وكانت أفضل المسارات من ناحية الاقتصاد في التكاليف هي المرور عبر قناة السويس، وهو ما يعني أن الأشخاص الذين كانوا في السابق من صيادي الأسماك في منطقة بونتلاند تَوَفَّر لديهم مليارات الدولارات من البضائع التي تمر باتجاههم. كل ما كانوا بحاجة إلى فعله هو أن يطلبوا جزءاً يسيراً من هذه المليارات، وهو ما يطلق عليه المتداولون في السندات ''رُبع نقطة أساس''. وهكذا نجد أن هؤلاء الناس أصبحوا محصلين لرسوم العبور بدلاً من كونهم صيادي أسماك.
القاعدة الثالثة هي أن تتسلح بالأدوات المناسبة. فأنت لا تريد أن تَدَع قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة يتخلف وراء المنحنى. فالقرصنة، شأنها في ذلك شأن كل شيء، هي في أساسها أمر له علاقة بالمعلومات. لن يكون بإمكانك الحصول على فدية كبيرة حين تحتجز سفينة مليئة بالقمح أو الأسمنت. ما تحتاج إليه هو سفينة مليئة بأجهزة تلفزيون ثلاثي الأبعاد ذات شكل أنيق من صنع سامسونج، أو (وهذا حتى أفضل) أجهزة آي فون. لحسن الحظ السفن مزودة الآن بنظام للتعرف الأوتوماتيكي، وهو نظام كمبيوتر يسجل تفاصيل حركة كل سفينة وطاقمها وحمولتها. هذا أمر ممتاز بالنسبة للزبائن ولإدارة السفن. لكن للأسف يبلغ القراصنة من الذكاء أنهم قادرون على التسلل إليه. فهم يعلمون بالضبط أي السفن تستحق الاستهداف. وحين يخفق هذا الأسلوب يستخدمون مستكشِفين في دبي وعُمان مهمتهم معرفة السفن الثمينة. وكما يقول لك أي شخص يعمل في الحي المالي في لندن، التداولات الجديرة بالتنفيذ هي فقط الصفقات التي تستند إلى معلومات سرية داخلية. وقد تعلم القراصنة هذا الدرس.
القاعدة الرابعة، ادفع أجوراً جيدة للموظفين. إن اقتصاديات الضربة محسوبة بدقة تامة مثل إحدى دراسات الحركة والزمن من مؤسسة ماكينزي. كل عملية هجوم تكلف نحو ستة آلاف دولار. يدفع أحد المستثمرين هذا المبلغ مقابل الحصول على عائد يبلغ ثلث الغنيمة. ربما تستطيع بيوت الأسهم الخاصة في لندن تحقيق عائد أفضل من ذلك، لكنها ستدرك طبيعة هيكل الصفقة. يُستخدَم المبلغ للحصول على المعلومات، والقارب، والبنادق، والقات (وهو مخدر قوي يلوكه القراصنة باستمرار). ثم تُقتسَم بقية الأرباح بالتساوي بين الرجال. أصغر عضو في قوة الهجوم، والذي يكون عمره في العادة في حدود 14 سنة، هو أول من يصعد إلى السفينة، وهي مهمة خطرة لأن نسبة التعرض للقتل فيها أعلى، لكنه يحصل في المقابل على حصة إضافية بنسبة 30 في المائة. ألا تلاحظ طبيعة الأنموذج حين تحضِر عدداً من الشباب المتحمسين، وتجعلهم يتخذون مخاطر ضخمة (ومن الممكن أن تكون قاتلة)، مع الوعد بعلاوة ضخمة إذا تمكنوا بمعجزة من النجاة بفعلتهم والبقاء على قيد الحياة؟ أغلب ظني أنه لا يوجد مدير في أي بنك استثماري يمكن أن يفشل في التعرف على أنموذج الأعمال المألوف لديه تماماً.
أخيراً إن نجاح القراصنة يبرهن (على الأقل) على أن نظرية الانتشار التدريجي للأرباح من الشركات الكبيرة إلى الشركات الصغيرة والمستهلكين هي نظرية ناجحة في النهاية. هناك أجزاء من الصومال تحقق الثراء بفعل ''رسوم العبور'' التي يحصلها البحارة الصوماليون من سفن الشحن التي تمخر عباب البحر بين آسيا وأوروبا. كل ما في الأمر هو أنك تحتاج أحياناً إلى بضعة رشاشات كلاشينكوف حتى تضمن أن بعضاً من الثروة المتحصلة ينحدر إليك.
للكاتب رواية جديدة من روايات التشويق والإثارة بعنوان ''قوة الظل'' Shadow Force تدور أحداثها حول القتال ضد القراصنة الصوماليين. وهي من نشر دار Headline.