لم يكن القرن العشرون لطيفاً بشكل خاص بالنسبة للأرجنتين. فقبل سنوات، سافر بعض أقاربي البعيدين من ويلز إلى البلد الأمريكي الجنوبي العملاق، أملاً في أن يتحول البلد بفضل طفرة الموارد إلى منافس جنوبي للولايات المتحدة – ليجدوا فقط أن البلد تراجع من مرتبة بلد متقدم إلى سوق قليلة التطور والتقدم في قرن واحد. وفي الحقيقية ما زلتُ أتألم عندما أرى بلداناً مثل أنجولا يتم الحديث عنها باعتبارها تنطوي على إمكانات استثمارية أكثر إثارة من الأرجنتين.
هناك أسباب واضحة لهذا الانزعاج المستمر: فكروا في بيرون، وفي رفض الاعتراف بالدين والامتناع عن سداده وفي التضخم. هناك عيب مركزي واحد يربط بين هذه الأشياء كلها هو السياسة وأثر الشعبوية على القطاع الخاص.
لكن ربما، فقط ربما، يكون زمن الأرجنتين قد أتى! فإذا كان بمستطاع كولومبيا التي واجهت متاعب بالقدر نفسه أن تحقق طفرة هائلة في الأسهم، فربما كانت الأرجنتين تستحق نظرة أخرى.
من الواضح أن الأرجنتين ليست السلة الاقتصادية التي كانتها في الماضي. لقد كان نمو ناتجها المحلي الإجمالي، وما زال، أعلى من البرازيل التي تعتبر أنموذجاً للأسواق الناشئة - ويقدر أن يلامس 6 في المائة في عام 2011. وفي الوقت نفسه هناك انخفاض ثابت في الدين الصافي المترتب على القطاع الخاص، إذ تراجع إلى أعلى قليلاً من 20 في المائة في عام 2011، مقارنة بزيادته نسبتها 45 في المائة في البرازيل. كذلك الحساب الجاري للأرجنتين في وضع إيجابي قوي، يساعده في ذلك طفرة تشهدها أسعار السلع الزراعية. ومن المهم على هذا الصعيد أن الشركات الكبرى في الأرجنتين خفضت ديونها وحسنت كفاءتها التشغيلية. لكن المستثمرين الغربيين ما زالوا محجمين – ربما ظناً منهم أن البيرونيين سيواصلون نهب القطاع الخاص.
إلا أن بعض مديري الصناديق المحليين بدأوا باستقطاب الاهتمام – وعلى رأس هذه الصناديق كوبرنيكو كابيتال الذي يديره ريكاردو ماكسيت.
وحسب ماكسيت، أسعار الأسهم الأرجنتينية تظل معقولة. وبصورة عامة، فإنه يعتقد أنه يجري تداولها حالياً بتسعة أضعاف الأرباح المتوقعة لعام 2011، مقارنة بمتوسط أرباح بأحد عشر ضعفاً لبقية المنطقة.
ويرى ماكسيت أيضاً أن هذه الأرقام المتواضعة تبخس بشكل كبير القيمة الحقيقية الحبيسة في الشركات الأرجنتينية المتمرسة والمترسخة. ويقول: ''نستنتج من ذلك أنه يجري تداول أسهم الشركات بأسعار رخيصة جداً - في بعض الحالات بنسبة 20 في المائة من متوسط ما يساويه الأصل نفسه أو الزبون في البلدان الأخرى''.
وبالنسبة لمن ينتقون الأسهم مثل ماكسيت، ينبغي أن يكون التركيز على الأسهم الممتازة القابلة للتحويل والتعديل، المهيمنة والمربحة - كشركة بتروبراس أرجنتينا النفطية المتكاملة (وهي إحدى الشركات التابعة لشركة بتروبراس البرازيل). ويجري تداول سهمها بعشرة أضعاف أرباح عام 2011، لكن بجزء يسير من الاحتياطيات الثابتة – وهو يعتقد أنه يتم تداول سهمها بنصف قيمة نظيرتها البرازيلية.
ويشير ماكسيت أيضاً إلى كلارين، المجموعة الإعلامية، كمثال آخر للقيمة، حيث يتم تداول أسهمها بنصف القيمة تقريباً، مقارنة بـ ''أية شركة إعلامية أخرى في العالم''.
وما يزعج المديرين مثل ماكسيت، أنه لم يتم اكتشاف تلك القيمة الجيدة من قبل مديري الصناديق الخارجية حتى الآن. وتم في الأعوام القليلة الماضية إنشاء عدد من الصناديق الأمريكية اللاتينية. مثلا، أطلقت شركة أبردين أخيرا، صندوقاً لاتينياً لتحقيق الدخل يستثمر في السندات والأسهم. ومع ذلك، ما زالت الأرجنتين تمثل أقل من 5 في المائة من معظم مؤشرات الأسواق العالمية الأقل تقدماً.
لماذا عدم الاهتمام هذا؟ السياسة مرة أخرى. فمع الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، يبدو أن الجميع قلقون بشأن الخطاب المعادي للشركات الذي يصدر عن الحكومة. لكن ربما يتعين علينا أن ننظر إلى ما وراء السياسة - كما نفعل في نيجيريا، وأنجولا، ومصر – وأن نقبل، حتى في ظل أشد المناخات غير المضيافة، أنه يمكن تحقيق أرباح.
وبدأ هذا يحدث في القطاع الزراعي ذي الكفاءة الفائقة، حيث يساوي ثمن فدان الأرض في المنطقة الرئيسية في الأرجنتين تقريباً ثمن فدان الأرض في حزام الذرة في الولايات المتحدة.
ربما لم يكن أولئك المستعمرون من ويلز على درجة عالية من الجنون في نهاية المطاف – بل كل ما كان عليهم هو أن يتحلوا بمزيد من الصبر.
ويطلق على مؤشر سوق الأسهم المحلية الرئيسي في الأرجنتين اسم ميرفال. ومثله مثل كثير من المؤشرات من نوعه، مرجح بقوة تجاه الشركات الكبيرة جداً، بما فيها الشركات المالية الكبرى والبنوك. وتشكل جروبو فاينانسييرو جاليشيا 18 في المائة من المؤشر، يليها بي بي في آيه بانكو فرانسيز، وبانكو باتاجونيا وبانكو هيبوتيكاريو. وتشكل شركة بتروبرايس النفطية 11 في المائة.
ومن المؤكد أن الأسهم الأرجنتينية نعمت بعام جيد – فقد ارتفع مؤشر MSCI الأرجنتيني، مثلا، بنسبة 69 في المائة خلال الـ 12 شهراً الماضية. لكن حتى الآن لم يترجم ذلك التحسن في الإقبال إلى اهتمام كبير من جانب المستثمرين الأنجلو ساكسون (تذكروا أننا نحن البريطانيين كنا مستثمرين كباراً في القرن التاسع عشر). ولم يتمخض أيضاً عن نشاط في إطلاق الصناديق.
لكن توجد قيمة هناك. فما زال مؤشر ميرفال يتداول عند مستوياته لعام 1992 مقوماً بالدولار، رغم أن الناتج المحلي الإجمالي الأرجنتيني تضاعف مرتين خلال الفترة نفسها.