الشرطة تنتشر في شوارع لندن للتصدي لاعمال شغب
انتشر الاف من أفراد الشرطة في شوارع لندن مساء يوم الثلاثاء للتصدي لمشاغبين ولصوص عاثوا فسادا في بعض أنحاء العاصمة البريطانية دون رادع في الليالي الثلاث الماضية.
وذكرت اللجنة المستقلة لشكاوى الشرطة التي تتولى التحقيق في واقعة أطلقت فيها الشرطة النار على رجل وتسببت في اندلاع شرارة الشغب والنهب في لندن ومدن أخرى أنه لا يوجد دليل على أن مسدسا التقط من مكان الحادث قد أطلقت منه أي أعيرة نارية.
وكانت تقارير أشارت في باديء الامر الى أن مارك دوجان (29 عاما) أطلق النار على الشرطة.
وسعى زعماء بعض الطوائف الى تفسير أسوأ أعمال عنف في لندن منذ عقود بأنها ترجع الى الفوارق المتزايدة في الثروات والفرص في المدينة التي يسكنها مزيج من الاعراق المختلفة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للصحفيين بعد أن قطع عطلة كان يقضيها مع أسرته في اقليم توسكانيا الايطالي وعاد لمواجهة الازمة "هذا اجرام صرف ويجب مواجهته ودحره."
وأضاف "لا يساور الناس أي شك في أننا سنفعل كل ما يلزم لاعادة النظام الى شوارع بريطانيا."
كما استدعى كاميرون البرلمان من عطلته الصيفية في اجراء نادر الحدوث ويشير الى خطورة الموقف.
وتضع الاضطرابات كاميرون أمام تحد اضافي في وقت يكافح فيه الاقتصاد البريطاني لتحقيق نمو بعد أن قلصت حكومته الانفاق العام وزادت الضرائب للمساعدة في سد عجز بالميزانية. لكن محللين يقولون ان تلك الاجراءات فاقمت محنة الجيل الجديد في أحياء لندن وضواحيها.
وتكشف أحداث الشغب للعالم عن جانب قبيح في لندن قبل عام من دورة الالعاب الاولمبية 2012 التي ستستضيفها العاصمة البريطانية والتي يأمل المسؤولون أن تسلط الاضواء على المدينة على نحو مماثل للزفاف الملكي في ابريل نيسان الماضي.
وجاء في بيان للشرطة صدر يوم الثلاثاء "ليلة أمس كانت أسوأ ليلة شهدتها شرطة العاصمة فيما تعيه الذاكرة بسبب مستويات غير مقبولة من النهب والحرائق والفوضى واسعة النطاق."
وكانت الشرطة اعتقلت أكثر من 200 شخص خلال الليل ليرتفع بذلك اجمالي عدد المعتقلين خلال الليالي الثلاث الى 450 شخصا. وامتلات الزنازين حاليا بالمحتجزين. وذكر البيان ايضا أن 44 من أفراد الشرطة أصيبوا بجروح علاوة على 14 فردا من الجمهور.
وذكر كاميرون أن 16 ألفا من أفراد الشرطة سيتواجدون في الشوارع مساء اليوم وهو نحو ثلاثة أمثال عدد أفراد الشرطة الذي نشر مساء يوم الاثنين وبلغ ستة الاف فرد.
وورد أول تقرير عن أعمال العنف هذا المساء من بلدتين في وسط انجلترا حيث حطم عدد من المتاجر في وولفرهامتون بينما أضرمت النار في بعض السيارات في برومويتش. كما وردت تقارير عن اضطرابات في سالفورد بالقرب من مانشستر.
وقالت الشرطة ان مجموعات من الشبان اشعلوا النار في متجر للتجزئة وحطموا واجهات متاجر اخرى واشتبكوا مع الشرطة في وسط مانشستر بشمال غرب انجلترا يوم الثلاثاء مع استمرار اتساع نطاق اعمال الشغب التي شهدتها لندن في الايام الاخيرة الى شتى انحاء البلاد.
وقال متحدث باسم شرطة منطقة مانشستر الكبرى "يمكنني ان أؤكد ان النار تشتعل في متجر وطاردت شرطة مكافحة الشغب 200 شاب تجمعوا في وسط المدينة وفرقتهم. واعتقل سبعة اشخاص حتى الان."
وقال المتحدث ايضا ان مبنى في سالفورد القريبة في منطقة مانشستر الكبرى اشعلت فيه النار ايضا جماعات من الشبان. وظهر أفراد من شرطة مكافحة الشغب في لقطات لهيئة الاذاعة البريطانية يقفون على مقربة من سيارة مقلوبة تحترق في سالفورد.
وعبر الكثير من سكان لندن عن مخاوفهم من احتمال استمرار الاضطرابات ليلة أخرى.
وذكرت تقارير أن عصابات من الشبان تنسق تحركاتها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت وخصوصا مجموعات التراسل في بلاكبيري وأنها تستهدف المتاجر.
وقال شهود في العديد من المناطق مثل هاكني التي ألحقت بها أعمال الشغب أضرارا جسيمة ومنطقة سلون سكوير الراقية ان بعض المتاجر أغلقت أبوابها مبكرا أو غطت واجهاتها بألواح. كما ذكر الشهود أن المتاجر والحانات أغلقت أبوابها في وقت مبكر في ويمبلدون عصر يوم الثلاثاء بعد انتشار شائعات بأن عصابات ستستهدف ذلك الحي الراقي.
وذكر ديفيد لامي عضو البرلمان عن احدى دوائر توتنهام في رسالة على موقع تويتر على الانترنت أنه يدعو بلاكبيري الى تعليق خدمتها الخاصة بالتراسل.
وقال "من الواضح أن هذا هو أحد أسباب تفوق المجرمين البسطاء على قوة الشرطة المتطورة. سكان لندن لا يمكنهم أن يتحملوا ليلة أخرى مثل ليلة أمس."
وذكرت هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن رجلا عمره 26 عاما قتل رميا بالرصاص في كرويدون جنوبي لندن وهي أول حالة وفاة خلال أعمال الشغب التي امتدت الى برمنجهام ثانية كبرى المدن البريطانية ومناطق أخرى.
وواجهت الشرطة انتقادات لفشلها في السيطرة على الموقف وتقاعسها عن التدخل بقوة خوفا من اثارة حساسيات محلية.
وجاء في بيان للجنة المستقلة لشكاوى الشرطة صدر يوم الثلاثاء أن نتائج اختبار المقذوفات أشارت "في هذه المرحلة الى أنه لا يوجد دليل على أن المسدس الذي عثر عليه في الموقع أطلقت منه النار أثناء الواقعة."
وذكرت اللجنة أن دوجان لاقى حتفه بعد أن أطلق ضابط من وحدة خاصة عيارين ناريين. كما أكد تقرير المقذوفات الاولي أن رصاصة عثر عليها مغروسة في جهاز لاسلكي بموقع الاحداث ثبت أنها تماثل الاعيرة النارية التي تستخدمها الشرطة.
ومع تزايد الدعوات الى اجراءات أقوى قال ستيفن كافانا نائب مساعد قائد الشرطة ان قوات الشرطة ستبحث استخدام أعيرة من المطاط أو البلاستيك.
واندلعت أعمال الشغب لاول مرة يوم السبت في منطقة توتنهام بشمال لندن عندما تحولت مظاهرة سلمية احتجاجا على مقتل داجان الى أعمال عنف.
وقال جافين بول مدير مركز العدالة الاجتماعية ان الكثير من الشبان الضالعين ينتمون الى "جيل ضائع" قضى حياته في جيوب معزولة لا تتوفر فيها فرص تذكر.
ونقلت عنه بريس أسوسييشن قوله "هذه أفعال أناس يعيشون في فوضى ويأس وفقر."
وتابع أن ذلك السلوك اجرامي ويجب اخضاعه للعقاب "لكن علينا أن نقر أيضا بأن هذه الفوضى تكشف عن قطاعات محطمة في المجتمع البريطاني."
وفي الوقت نفسه عكف سكان لندن يوم الثلاثاء على تقييم الخسائر الناجمة عن أعمال النهب وحاولوا ازالة الفوضى.
وفي حي وولويتش الفقير بشرق لندن تناثرت قطع الزجاج المهشم في الشوارع التي امتلات بالبضائع المسروقة ودمى عرض الملابس.
وذكر سايمون ميلز مدير متجر بريتس وولده للحلي والرهون أنه فقد بضائع تتراوح قيمتها بين 50 ألفا و60 ألف جنيه استرليني.
وقال "لا أعتقد أن أي ارهابيين كان يمكن أن يقوموا بعمل أفضل مما فعلوه هنا."
وفي ايلينج ذكر أحد السكان لرويترز أن نحو 150 شابا ملثما تجولوا في الشارع الذي يقطن فيه وحطموا نوافذ السيارات.
وقال أنتوني بيرنز فني الكهرباء الذي يعيش في هاكني "انه أمر محزن للغاية. لكن الشبان لا عمل لهم ولا مستقبل والتقليص (في الانفاق العام) زاد الامر سوءا. انتبهوا.. هذه مجرد بداية."
وعاد شارع مير في هاكني الى طبيعته الى حد بعيد بحلول الصباح بعد الفوضى العارمة التي شهدها مساء يوم الاثنين وتدفقت فيه حركة المرور بسلاسة وكنست الارض لتنظيفها. ووضعت بعض المتاجر التي حطمت واجهاتها ألواحا لتغطيتها ومنها متجر للمراهنات ومقهى.
وتجمع مئات المتطوعين حاملين مكانس ومجارف وأكياسا سوداء وارتدوا قفازات من المطاط في كلابام جنوبي نهر التيمس للمساعدة في ازالة الفوضى.
وانتشرت شاحنات جمع القمامة أيضا في الشوارع بكثافة. كما شوهد أشخاص اخرون بعضهم يرتدي قمصانا كتب عليها "فريق كلابام" داخل بعض المتاجر للمساعدة في ترتيبها.
ورغم روح التضامن الاجتماعي التي تنم عنها تلك الافعال عبر روجر هيلمر العضو المحافظ في البرلمان الاوروبي عن الغضب الذي يشعر به كثيرون من سكان لندن الاخرين من أعمال العنف.
وقال على موقع تويتر على الانترنت "حان الوقت لاتخاذ موقف صارم. استدعوا الجيش. أطلقوا النار على اللصوص ومشعلي الحرائق بمجرد رؤيتهم."
وقال مسؤولون ان أعمال العنف لن تضر الاستعدادات للدورة الاولمبية. وزار وفد من اللجنة الاولمبية الدولية اليوم الثلاثاء اللجنة المنظمة لاولمبياد لندن 2012.
وقال متحدث باسم اللجنة "كل شيء يمضي قدما حسب الخطة.. لا تغيير في الخطط."
لكن أحداثا رياضية أخرى تضررت حيث ألغت انجلترا مباراة دولية ودية في كرة القدم كان مقررا اقامتها غدا الاربعاء مع هولندا كما ألغيت ثلاث مبارات للاندية.
وقال الاتحاد البريطاني لشركات التأمين ان الاضرار يحتمل أن تكلف شركات التأمين "عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية".
واندلع حريق في مخزن تابع لشركة سوني كورب في حي انفيلد الذي شهد بعض أعمال الشغب. ولم يتمكن متحدث باسم الشركة من تأكيد ما اذا كان الحريق أشعله مشاغبون لكنه قال ان بعض التوريدات يحتمل أن يتأثر.
وامتدت التداعيات ايضا الى الاوساط المالية العالمية في وقت يسود فيه الاضطراب أسواق العالم.
وقال نيل ميلور خبير استراتيجيات العملات في بنك أوف نيويورك ميلور "كنا قبل بضعة ايام نتحدث عن الجنيه الاسترليني كملاذ امن لكن أعمال الشغب الجارية عيب اخر لا بد أنه أفسد اي مذاق للعملة."
وذكر كولين ساتنبريدج رئيس غرفة التجارة والصناعة في لندن أن أعمال الشغب جاءت في أسوأ توقيت للاعمال حيث يواجه العديد من الشركات أوضاعا صعبة.
وقال "ليست هذه هي الصورة التي نريد تقديمها للعالم."