أسبوع شهد تحول أنظار المستثمرين إلى أزمة الديون السيادية الأوروبية من جديد
شهد هذا الأسبوع صدع جديد في القطاع المصرفي الأوروبي و هذه المرة كان في أيرلندا التي أعلنت عن إحتياج القطاع ما يقدر بقيمة 50 بليون يورو من أجل إعادة هيكلة القطاع المصرفي و القيام بعمليات الإستحواذ على بعض البنوك في الوقت الذي تعاني ايرلندا من اكبر عجز للموازنة في المنطقة الأوروبية خلال العام الماضي.
يأتي ذلك بعد أن أعلنت الحكومة الأيرلندية أنها بصدد الإستحواذ على بنك Allied Irish وضخ المزيد من السيولة في بنك Anglo Irish و الذي بدوره أعلن عن حاجته إلى زيادة رأسماله بنحو 5.4 بليون يورو، هذا فإن الوضع بات على وشك الإنفجار في أيرلندا.
التوقعات تشير إلى إقتراب الحكومة من الأيرلندية التي تعاني من عجز الموازنة البالغ 14% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي السابق - يعد الأعلى وسط دول الاتحاد الاوروبي- من طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي الذي أقر خطة مساعدات بقيمة 750 بليون يورو على شكل قروض تحت رهن طلب أية دولة تلجأ إليه.
وهذا الأمر جدد المخاوف بشأن مدى عمق أزمة الديون السيادية و التي بالفعل لم تنتهي بعد في ظل اقلاع المستثمرين إلى الإهتمام ببيانات نمو الاقتصاديات العالمية في الآونة الأخيرة، وتجدد هذه المخاوف أدى إلى ارتفاع العائد على السندات الحكومية الأيرلندية إلى أعلى مستوى مقارنة بدول منطقة اليورو عدا اليونان.
ومن ثم إرتفاع الفرق بين العائد على السندات الأيرلندية و مثيلتها الألمانية ليصل إلى أعلى مستوى قياسي جديد خلال الأسبوع السابق إلى 446 نقطة أساس و إن كان قد تراجع قليلا إلى 436 نقطة أساس وما يعكس ذلك مدى المخاطر التي تحيط بالديون السيادية في أيرلندا.
تسعى الحكومة الأيرلندية إلى تقليص عجز الموازنة ليصل إلى 3% بحلول عام 2014 وفقا لمعايير الإتحاد الأوروبي لكن الحكومة في حالة إنتظار لتطبيق خفض الإنفاق العام بعد وصول القطاع المصرفي إلى حد الأمان الأمر الذي يزيد من الضغوط على الحكومة.
أما في أسبانيا فإن مؤسسة موديز قامت بخفض التصنيف الإئتماني للديون السيادية بمقدار نقطة واحدة لتصل إلى "Aa1" من "Aaa" مع الإبقاء على النظرة المستقبلية عند مستويات "مستقرة" ويرجع ذلك القرار إلى التوقعات التي تشير إلى ضعف الاقتصاد الأسباني بجانب اتساع عجز الموازنة الذي يحتل المرتبة الثالثة وسط دول منطقة اليورو.
ووسط هذه المعضلة تحاول الحكومة خفض الإنفاق العام و الوصول بعجز الموازنة إلى مستوى 6% من الناتج المحلي في عام 2011 من 11.1% للعام المالي السابق ومن ثم الوصول إلى المستوى المعياري 3% بحلول عام 2013 الأمر الذي دفع بالحكومة إلى الإتجاه نحو تطبيق أكبر خفض للإنفاق العام منذ ثلاث عقود ويضع ذلك المزيد من الضغوط على نمو الاقتصاد الأسباني.
وقد خفضت الحكومة توقعات النمو للعام القادم إلى 1.3% من 1.8% كما كان متوقعا في السابق، بينما ترى مؤسسة موديز أن الاقتصاد قد يحقق نمو عند مستويات 1% خلال السنوات القليلة القادمة.
بعيداً عن معضلة أزمة الديون السيادية ونتجه إلى بيانات الاقتصادية التي صدرت في منطقة اليورو ،ففي ألمانيا تم الإعلان عن تحسن سوق العمل في سبتمبر/أيلول إذ إنخفض عدد العاطلين عن العمل في سبتمبر/أيلول بنحو 40 ألف شخص ليصل إجمالي عدد العاطيلن حتى نهاية تلك الفترة إلى 3.15 مليون شخص هذا في الوقت الذي كانت التوقعات تشير فيه إلى تراجع بعدد 20 ألف شخض و كانت القراءة السابقة بعدد 17 ألف شخص، كما إنخفض معدل البطالة في نفس الفترة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ أبريل/نيسان من عام 1992 ليصل إلى 7.5% من 7.6% لكلا من التوقعات و القراءة السابقة.
على الرغم من هذه البيانات إلا أن معدل البطالة ارتفع في منطقة اليورو مسجلا 10.1% ليأتي أعلى من القراءة السابقة و التوقعات و يصل بذلك إلى أعلى مستوى منذ 12 عام.
ويأتي ذلك بالتزامن مع ضعف نمو القطاع الصناعي الذي سجل قيمة 53.7 ويأتي بأدنى من قراءة الشهر السابق لقيمة 55.1 و إن كان قد جاء مرتفعا عن القراءة التمهيدية لقيمة 53.6. بينما بقي فوق الحد الفاصل للنمو (50) للشهر الثاني عشر على التوالي.
جدير بالذكر أن طلبات الصادرات الجديدة إنخفضت إلى أدنى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني السابق وتبع ذلك إنخفاض الطلبات الصناعية إلى أدنى مستوى في عام، و يرجع ذلك إلى ضعف مستويات الطلب العالمية وكذا معاودة ارتفاع قيمة اليورو بعد أن سجل أدنى مستوياته منذ أربع سنوات في يونيو/حزيران أمام الدولار الأمريكي الأمر الذي قلص من المزية التنافسية للسلع الأوروبية.
على الجانب الآخر ارتفعت مستويات الثقة إلى أفضل مستوى منذ يناير/كانون الثاني من عام 2008، فقد سجل مؤشر الثقة بالاقتصاد ارتفع في شهر سبتمبر/ايلول مسجلا 103.2 من 102.3 للقراءة السابقة المعدلة من 101.8 وجاء بأعلى من التوقعات التي تشير إلى 101.3 . و ارتفع مؤشر الثقة بالخدمات في نفس الفترة ليصل إلى 8 من 7 للقراءة السابقة، وتقلص إنكماش مؤشر الثقة بالخدمات ليصل إلى -2 من -3 للقراءة السابقة المعدلة.
ارتفاع مستويات الثقة في تلك الفترة الحالكة التي مر بها اقتصاديات المنطقة جاء غير متوقعا ولكن قد تكون تحركات الحكومات و البنك المركزي نحو التخفيف من أثار أزمة الديون هو العامل الذي دعم تلك الثقة.
وإن كانت جهود الحكومة من شأنها أن تبطئ من عملية تعافي اقتصاديات منطقة اليورو، وهذا ما يوزاي توقعات المفوضية الأوروبية بشأن نمو المنطقة و التي تتوقع تراجع ويترة النمو في الربع الثالث إلى 0.5% و بنسبة نمو 0.3% في الربع الأخير من العام الحالي.
بريطانيا
في بريطانيا تم الإعلان عن القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني و التي جاءت دون تغير عن القراءة التمهيدية بنسبة نمو 1.2% لتظل عند افضل أداء منذ عام 1999 لكن ذلك لايعني بأي حال من الأحوال أن الاقتصاد البريطاني قد تخطى الأزمة و ماض في طريقه نحو الإنتعاش في ظل الظروف الحالية.
البيانات الفرعية أظهرت أن تحقيق النمو في الربع الثاني يرجع الفضل فيه إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي لأعلى مستوياته منذ ستة أرباع و تم تعديل القراءة الخاصة بالإنفاق إلى 1% من 0.3%. فيما بقي مستوى انفاق القطاع العائلي دون تغير بنسبة 0.7%، و ارتفع حجم الإستثمارات بنسبة 1.4% من -2.4% للقراءة التمهيدية السابقة.
و عن أداء القطاعات الرئيسية المحركة للنمو فقد تم تعديل نمو قطاع البناء-يساهم بنحو 6% من الناتج المحلي- في الربع الثاني ليحقق نمو بنسبة 9.5% من 8.5% مسجلا بذلك أفضل أداء منذ عام 1963 و إن كان الفضل في ذلك يرجع إلى إستئناف أعمال البناء في الربع الثاني بسب توقفها بفعل موجة البرد الشديدة في الربع الأول.أما بالنسبة للقطاع الخدمي-يساهم بنحو 75% من الناتج المحلي- فقد سجل تراجعا للنمو إلى 0.6% من 1% للقراءة السابقة.
على الرغم من مواصلة تحقيق الاقتصاد البريطاني للنمو على مدى ثلاث ارباع متتالية إلا أن ذلك لا يعني دخول الافتصاد البريطاني إلى مرحلة الإستقرار وذلك بسب أن ما شهده من نمو بعد ستة ارباع متتالية من الإنكماش يرجع إلى خطط التحفيز و الإنفاق الحكومي في الوقت الذي لاتزال فيه مستويات الإستهلاك منخفضة بجانب ضعف سوق العمل و عدم تحقيق الإستقرار الكامل في القطاعات الأكثر تضررا بسبب الازمة لاسيما القطاع المصرفي.
كما صدر مؤشر الموافقات على القروض العقارية الصادر عن البنك المركزي البريطاني لشهر أغسطس/آب فقد انخفض إلى 47.4 ألف موافقة من 48.7 ألف مقارنة بالشهر السابق وإن كان جاء أعلى قليلا من التوقعات التي كانت تشير إلى 47 الف موافقة. ومنخفضا بذلك للشهر الرابع على التوالي ومسجلا بذلك أدنى مستوى له منذ شهر فبراير/شباط.
هذه البيانات تعكس ضعف ويترة نمو قطاع البناء في بريطانيا و الذي كان من أحد أضلاع الأزمة المالية، ووفقا لآخر البيانات فقد انخفضت اسعار المنازل في سبتمبر/أيلول إلى أدنى مستوى منذ 18 شهر هذا في الوقت الذي ارتفع فيه حجم المعروض من المنازل عن الطلب عليها و أيضا يوضح ذلك إستمرار البنوك في تقليص عمليات الإئتمان حتى الآن، هذا و إن كان مؤشر صافي القروض المدعوم بمنازل ارتفع في أغسطس/آب ليصل إلى 1.7 بليون جنيه إسترليني من 0.1 بليون و جاء أعلى من التوقعات التي تشير إلى 0.3 بليون جنيه.
وبالنسبة لبيانات القطاع الصناعي فقد انخفض مؤشر مدراء المشتريات الصناعي عن شهر أيلول/سبتمبر والذي أظهر تراجع وتيرة نمو القطاع الصناعي –يساهم بنسبة 18% من الناتج المحلي الإجمالي- مسجلا قيمة 53.4 من 54.3 للقراءة السابقة و جاء بأدنى من التوقعات لقيمة 53.8 .
وقد قام صندوق النقد الدولي في الأسبوع السابق بخفض توقعات النمو الخاصة ببريطانيا إلى 2% في عام 2011 من التوقعات السابقة بنسبة 2.1% التي أصدرها في يوليو/تموز السابق. وحذر الصندوق من ارتفاع مخاطر تراجع الأسعار بشكل مستمر ومن ثم طالب البنك البريطاني بالتوسع في برنامج شراء الأصول.
ومن ثم قد نشهد قيام البنك المركزي البريطاني في الفترة القادمة بالتوسع في سياسة التخفيف الكمي البالغ حتى الآن 200 بليون جنيه إسترليني و ذلك من أجل دعم عملية النمو في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بأكبر خفض للإنفاق العام منذ الحرب العالمية الثانية.