اعتقدت في وقت من الأوقات حين كنت طفلاً في القاهرة، أن بإمكان مصر فعل أي شيء. كنت فخوراً بأنني نشأت في بلد استطاع التخلص من عقود من الاستعمار البريطاني الذي فرض على مصر من جانب النخب المحلية الفاسدة والمتعاونة معه. وكنت منتشياً بالعيش في البلد الذي يقود العالم العربي دون منازع، كما كنت مبتهجاً بانضمام مصر إلى الهند وإندونيسيا لقيادة ''حركة عدم الانحياز'' التي شكلتها بلدان العالم الفتية وحديثة العهد بالاستقلال. كانت فترة من الفخر والأمل لكثير من المصريين. ومع ذلك تم تحطيم كل ذلك بالهزيمة المذلة التي تعرضت لها مصر في الحرب مع إسرائيل عام 1967. وكانت خيبة الأمل الشعبية العميقة بعد تلك الحرب مصحوبة بقهر سياسي أعظم. وعلى الصعيد الشخصي غادرت مصر بعد فترة قصيرة من ذلك كي أنضم إلى والدي في عمله الدبلوماسي في الخارج. ولم أعد أعيش في مصر بل اخترت زيارتها من حين إلى آخر. واستقر بي الأمر في الولايات المتحدة بعد الدراسة في جامعات بريطانية. وبما أنني غادرت مصر، لم أتوقع قط أن أشهد ثانية مثل مشاعر الفخر المصرية العميقة هذه. وإذا تركت جانب المشاعر خلفي، فإنني مدين بهذا الشعور إلى حركة علمانية مميزة نزل شبابها بشجاعة إلى شوارع القاهرة وساعدوا المصريين على تجاوز عقود من الخوف وتحركوا على نحو جماعي لمطاردة نظام كان كثيرون يظنون أنه من أقوى النظم تخندقاً في العالم.
تم إنجاز مناسبة العيد غير المحتمل بتنظيم عبقري وبتصميم ثابت وبتضحيات جسيمة. ولم يلجأ من قاموا بذلك إلى العنف حتى حين هاجمتهم عصابات النظام. ولم تتطلب هذه الحركة، أو تطلب مساعدة من الخارج، بل كانت ثورة من صنع محلي يستحق جنودها الشباب جوائز السلام التي تمنح في العادة لرجال الدولة المصلحين المتقدمين في السن. كان وقود الثروة المصرية اقتناع بأن بالإمكان توحيد المواطنين من كل الأعمار والديانات حول تطلع بسيط يتمثل في تحسين مستوى الحياة. ولم يستغرق الأمر سوى 18 يوماً استطاعت خلالها حركة الثورة إبطال فكرة عمرها عدة عقود، مفادها أن المصريين سلبيون. وطالما أنهم كذلك ''فمن مصلحتهم'' أن تحكمهم قبضة حديدية. تتحرك مصر الآن بصيحات تتردد كثيراً وتقول ''لن يحدث ذلك مرة أخرى'' ولن يعود حكم الفرد والفساد وطبقة الطفيليين التي تنتعش على ظهور الناس العاملين. هذا الشعور بالفورة العاطفية له ما يبرره – لكن بينما انقضى الجزء الأصعب من هذه الثورة يظل أمامها كثير من العمل الجاد. ويتمثل التحدي في الوقت الراهن في تحويل طاقات الشعب إلى عملية إعادة تأهيل اقتصادي وسياسي واجتماعي. ويجب أن تبدأ هذه العملية على الفور بعدد من الخطوات الحيوية. لا بد أن تكون الخطوة الأولى للقوات المسلحة في دورها الانتقالي هي التخلص من قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1981. ولا بد أن تتبع ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وكذلك قواعد دستورية تسمح بقاعدة واسعة من المشاركة السياسية وحماية أفضل للحريات الفردية. الخطوة الثانية هي أن اقتصاد البلاد يجب أن تتم إعادة إطلاقه بصورة سليمة. فقد أدى التوقف المفاجئ بسبب الثورة إلى تعطيل فعلي لمعظم أنشطة الشركات والخدمات الحكومية. وبات حدوث نقص في عائدات الشركات والعائدات الحكومية حتميا الآن. ولا بد من معالجة هروب رأس المال، من خلال حواجز مالية، ولا بد من استئناف تدفق الاستثمارات المحلية والخارجية. ولا بد كذلك من الإنهاء الفوري لذلك الجزء الذي يفتقر إلى الصدقية في مجتمع رجال الأعمال، الذي أقام علاقات فساد مع نظام الحكم السابق. وحتى يتم دعم كل ذلك لا بد من تعزيز المؤسسات الاقتصادية والسياسية المصرية وضمان شفافية أعلى ومساءلة وعمليات تدقيق وتوازنات. ومن المهم أن يتم ذلك من خلال التخلص من عبادة الأشخاص التي قوّضت أوضاع البلد في الماضي. ويجب أن يمثل إصلاح الأحزاب السياسية والكيانات الأخرى أولوية قصوى، على أن يتبع ذلك على الفور إصلاح أحوال الشركات. ويفترض كذلك أن يتم الدفع بمعالجة الويلات الاجتماعية إلى أعلى قائمة الأولويات. وهناك حاجة ملحة على وجه الخصوص لضمان التزويد الكفؤ بالإغذية الرئيسية والعناية بالصحة وحماية الشرائح الأفقر في المجتمع. إن إكمال قائمة ''ما ينبغي إنجازه'' هذه أمر أساسي حتى تضرب الديمقراطية جذورها عميقاً. ومن شأن ذلك أن يسهل القضاء على الفقر ويحقق الاستقرار المالي. وإذا أمكن تحقيق هذين الهدفين، فإن لدى شباب مصر فرصة ألا يعيشوا مرة أخرى مشاعر الانقطاع التي أحس بها أبناء جيلي في بواكير حياتهم. هذه ثورة تستحق أن تكتمل.
الكاتب الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو Pimco.