من النادر أن كانت الرغبة في الحرية والديمقراطية أوضح مما هي عليه الآن. ففي بلد بعد آخر، خاطر الناس بحياتهم مطالبين بانتخابات حرة، ومساءلة ديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان.
من الطبيعي أن الانتخابات تشكل جذور الديمقراطية التي لا بديل عنها. لكن حتى تتمتع الانتخابات بالصدقية نحتاج إلى معايير أعلى قبل وفي أثناء وبعد عد الأصوات. وتجب إتاحة الحرية لأحزاب المعارضة للتنظيم، وترتيب حملاتها الانتخابية دون خوف. ولا بد، ما أمكن ذلك، من توفير أرضية انطلاق ممهدة بصورة متساوية لجميع المرشحين. كذلك لا بد أن يشعر الناخبون بالأمان في يوم الانتخابات، وأن يثقوا بسرية ونزاهة العملية الانتخابية. ولا بد من قبول النتائج بعد عد الأصوات، مهما كان شعور خيبة الأمل لدى المرشحين الخاسرين.
وغالبا لا تتم تلبية هذه الشروط. والأزمة التي تشتد سوءاً في ساحل العاج مثال رئيس على سوء استخدام السلطة وعواقبه. فقد رأى المراقبون المحليون والعالميون أن انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) تمت بصورة جيدة، وتم الإعلان عن فوز بائن للحسن وترة. لكن الرئيس لوران جبابجو، المتمسك بالحكم، يرفض التنحي.
إن تحديه يفتح مجدداً باب الانقسامات العرقية القديمة ويهدد بإدخال البلاد إلى صراع متجدد. وتتدهور الأزمة سريعاً في ظل تقارير مقلقة عن عمليات اختفاء قسرية، وعمليات قتل مستهدف، وانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع من جانب قوات موالية للطرفين المتخاصمين.
وتوجد أيضا مخاوف حقيقية من أن تأثير ذلك سيتم الشعور به خارج حدود هذا البلد. وفي ظل توقع إجراء 19 عملية انتخابات رئاسية في إفريقيا خلال الأشهر الـ18 المقبلة، فإن موقف جباجبو يهدد بتقويض أوسع للثقة بالديمقراطية وتشجيع زعماء آخرين يخلطون مصالحهم الشخصية بمصالح البلاد. وعلى إفريقيا أن تواصل الابتعاد عن أسلوب كون ''الفائز يحصل على كل شيء''، سواء في الانتخابات أو في ممارسة السلطة، لأن ذلك ظل يعمل على تدمير هذه القارة بشكل غير عادي.
كان يمكن تجنب كل ذلك لو أن المجتمع الدولي وقف موحداً بصورة صلبة وراء نزاهة نتائج الانتخابات الموثقة. ويتم الآن دفع ثمن مرتفع لتأخير تأكيد الاتحاد الإفريقي على أن وترة كان الفائز الفعلي في الانتخابات، والموافقة على حل لتسهيل تخلي جباجبو عن السلطة.
يمكن تفهم أن الكارثة التي أصابت اليابان والحرب الأهلية في ليبيا تهيمنان على انتباه المجتمع الدولي، لكن لا يمكننا أن ندير ظهورنا إلى شعب ساحل العاج.
على الاتحاد الإفريقي بوجه خاص، أن يدين فورا تهديدات القوات الموالية لجباجبو ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ساحل العاج. وإذا لم يفعل ذلك، فإن الاتحاد الإفريقي يعرض للخطر سلامة وفاعلية قوات السلام الأخرى في القارة الإفريقية.
إننا كذلك في حاجة إلى أن نشهد تشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان القائمة هناك. وعلى المسؤولين عن ذلك أن يعرفوا أنهم لن ينجو من المساءلة على ما قاموا به.
كذلك يجب أن تطلق أزمة ساحل العاج جهوداً عالمية للمحافظة على نزاهة الانتخابات حيثما تجري. إن حق التصويت الحر والعادل مفتاح أساسي لكل شيء آخر. وبدون انتخابات ذات صدقية، لن يكون لدى المواطنين وسيلة للتغيير السياسي. ومن ثم تزداد مخاطر الصراع، بينما لا يتم ضبط الفساد، والترهيب، والتزييف، وهي أمور تخرب النظام السياسي بأكمله، وبصورة بطيئة من داخله.
على الزعماء الوطنيين أن يتعلموا أنه لا بد من الانتخابات الحرة والعادلة لتوفير الشرعية الديمقراطية. وعلى المجتمع الدولي أن يفهم أنه في كل مرة يغض فيها الطرف عن مخالفات انتخابية يصبح متواطئاً في الحط من شأن قدرات الديمقراطية. ويجب عدم السماح للمغانم قصيرة الأجل بالتغطية على الأثر بعيد المدى على الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان. وعلينا أن نجعل أولئك الذين يغريهم التلاعب بالانتخابات، أو سرقة نتائجها، يدفعون ثمناً أعلى.
الكاتب الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ورئيس اللجنة الدولية للانتخابات والديمقراطية والأمن التي شكلتها مؤسسة كوفي عنان والمعهد الدولي من أجل الديمقراطية والعون الانتخابي.