ما زالت حكومة أنجيلا ميركل في ألمانيا، اليمينية بامتياز، ماضية في تضييق الخناق على اليونان، طلباً لاستسلام مأساوي، من حكومتها التي شكلها تحالف سيريزا اليساري بامتياز مضاد.
فقد تفشى التشدد الألماني حيال أزمة اليونان، في شمال أوروبا، وفي السياق، تغالظ الألمان مع اليونانيين، وخاض الطرفان، بمشاركة البنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، مفاوضات أرهقت الجانب اليوناني وجعلته يشعر بإهانة كلما تفاقمت الضغوط، كان قد عللها الطرف الآخر بسوء الترجمة.
فالألمان يقولون، إنهم معنيون بالرفاه في بلادهم وليس في اليونان. وعندما طرحت حكومة تحالف سيريزا، خطة أو مقاربة لإصلاح يقترب من تلبية شروط ألمانيا وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي؛ رد هؤلاء على اليونانيين بصوت واحد: لا معنى ولا فاعلية لما تتحدثون عنه. فالمطلوب هو استقطاعات كبرى في الدعم الحكومي، وفي مخصصات التقاعد، وخصخصة الأصول الحكومية، وصرف عدد معتبر من الموظفين، وإضعاف نظام الضمان الاجتماعي!
في السياق ذاته، تُكال الاتهامات للحكومة اليونانية باللامسوؤلية، وهذه بدورها صرخت متوجعة، متهمة ألمانيا بتدمير اقتصاد بلادها، وملوّحة باحتمال أن تخلع من حزام اليورو كله.
ومثلما هو الحال، عندما يضغط الأقوياء على الضعفاء أو المأزومين؛ تترافق الغلظة مع عبارات عاطفية جوفاء، كأن يقول الألمان، إنهم يأخذون المقتضى العقلاني في التعامل مع الأزمة ويستهدفون النظام الاقتصادي لليونان، وليس اليونان نفسها!
لعبة الرأسمالية المتوحشة هنا، تتبدى جلية في السياق الألماني، فقد وقعت اليونان في ورطتها، وبدأ نظامها الذي امتشق فكرة التحدي والدفاع عن سياسة الرفاه الاجتماعي في البلاد؛ يتراجع قليلاً. ولا يكتفي المهاجمون بتراجعه الجزئي. وبالنتيجة، استفادت ألمانيا اقتصادياً من الورطة التي وقعت فيها أثينا ودائنوها، إذ استفادت هي ودول شمال أوروبا من مأزق اليونان ومن سياسات التشدد معها، بل ومن أزمة اليورو نفسها، لأن هذه الأزمة، خفضت الفوائد على السندات في ألمانيا، وخفضت مستوى البطالة، ورفعت معدلات التصدير!
في هذا الخضم، تناولت الصحافة الأوروبية، بلسان عدد من الممولين وأثرياء شمال أوروبا، أنهم يرفضون إضاعة الأموال التي تُجبى منهم ومن غيرهم، للإنفاق على "أجانب كسالى، ليس لديهم أدنى إحساس اقتصادي سليم"!
الأوروبيون لا يزالون يشترطون على اليونان أن تتبنى برنامجهم "الإصلاحي". وفي ضغوطهم كمن يقولون للآخرين في منطقتنا، إن هذا هو أمركم معنا ومع الأمريكيين، بعد تأمين إسرائيل وتثبيت وضعية القهر السلطوي والإجهاز على التطرف.
وقد حذر النائب الأول لرئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانز، اليوم الأحد، من عدم وجود ما وصفها "خطة بديلة" في حالة وتخلف اليونان عن سداد ديونها، كما حث أثينا ودائنيها على تحقيق تقدم في المحادثات بشأن إبرام صفقة لتقديم أموال مقابل الإصلاح.
وأضاف المسؤول الأوروبي في تصريحات صحافية، نقلتها وكالة رويترز: "مانحتاجه الآن هو تقدم حقيقي".
وعندما سئل عما إذا كان هناك "خطة بديلة" في حالة تخلف اليونان عن السداد قال تيمرمانز: "لا.. لا توجد خطة بديلة لليونان.. إذا عملت على خطة بديلة فإنك تتخلى بشكل أساسي عن الخطة الأصلية".
وتتلكأ الحكومة اليونانية، التي يقودها اليساريون والتي انتخبت في وقت سابق من العام الجاري بناء على وعود بإنهاء سياسات التقشف، في تنفيذ اصلاحات غير شعبية وعدت بها الحكومة السابقة بموجب برنامج إنقاذ قدمه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لليونان.
وتواجه اليونان خطر التخلف عن سداد ديونها واضطرارها للخروج من منطقة اليورو، وتخوض مفاوضات قال مسؤولون أوروبيون إنها تتحرك ببطء جداً، وهو ما دعا المقرضين الدوليين إلى استبعاد التوصل لاتفاق خلال الاجتماع الذي يعقد يوم غدٍ الاثنين لوزراء مالية منطقة اليورو.
وقال وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله إنه لا يتوقع توصل اجتماع مجموعة اليورو،
وتهدف الإصلاحات التي اقترحتها الحكومة اليونانية إلى زيادة الدخل الحكومي من الضرائب ورسوم التحويل بنحو 6.42 مليارات دولار، لكنها لم تتحدث عن أية خطوات لخفض الإنفاق.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الشهر الماضي، تصنيف الديون السيادية اليونانية درجتين إلى "سي سي سي"، بسبب ما وصفته "مخاطر عالية" ترافق المباحثات بين أثينا ودائنيها الدوليين.
اما عن تحركات الزوج اليورو دولار فنياً
تراجعت العملة الأوروبية الموحدة خلال تعاملات اليوم الإثنين، قبيل جولة جديدة من محادثات اليونان ودائنيها بشأن أزمة الديون.
ويترقب المستثمرون انعقاد اجتماع مجلس وزراء منطقة اليورو في وقت لاحق من اليوم، لبحث أزمة ديون اليونان، مع ضرورة سداد أثينا 750 مليون يورو لصالح صندوق النقد الدولي غدًا، وقرب نفاد السيولة المالية في البلاد.
وفي حين أبدى مسؤولون يونانيون تفاؤلهم بشأن قرب التوصل لاتفاق نهائي مع دائني البلاد المتمثلين في الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، إلا أن وزير المالية الفرنسي أكد أن مفاوضات اليوم لن تتمخض عن نتائج حاسمة.
وهبط اليورو أمام الدولار الأمريكي بنسبة 0.2% إلى 1.1170 دولار في الساعة 12:01 مساءً بتوقيت مكة المكرمة.
كما تراجع اليورو مقابل الين الياباني بنحو 0.1% ليصل إلى 133.9 ين، بينما هبط أمام الجنيه الإسترليني بشكل هامشي بلغت نسبته 0.03% إلى 0.7249 جنيه.
اليونان أمام مفترق طرق فهل تنقذها روسيا ؟