عمليات جني الأرباح تحاول السيطرة، و الذهب يحاول تجنبها
شهدت الأسواق المالية يوم أمس مزيداً من السلبية، و تفشّى التشاؤم من أزمة الديون الأوروبية أكثر فأكثر بعد انتشار القلق بين المتداولين من اليونان إلى البرتغال ثم إلى إيطاليا. القلق من أن تمتد أزمة الديون و تتعمّق في إيطاليا أعطى احتمالاً بأن نرى أزمة الديون السيادية تمتد إلى الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي مهددة في مشاكل اقتصادية كبيرة قد يكون علاجها صعب فعلاً. شهدت الأسواق المالية بشكل عام يوم أمس موجات جني أرباح واضحة، و أغلقت مؤشرات الأسهم الأوروبية على انخفاض بشكل عام، حيث أغلق مؤشر داكس الألماني على انخفاض مقداره 2.33% و فقد مؤشر كاك الفرنسي 2.71%.
اتجه المتداولون نحو الذهب كملاذ آمن، و كذلك تم التخلّي عن الأصول المرتفعة العائد، و قلق المتداولين تجاه الضعف الاقتصادي العميق في الاقتصاد الدولي كان دافعاً لشراء الذهب لتغطية هذه المخاطر خصوصاً مع القلق من أزمة الديون الأوروبية. هذه الحالة سببت ارتفاعاً في سعر الذهب مقداره 0.66% ليغلق جلسة نيويورك أمس عند مستوى 1554.40 دولار للأونصة الواحدة، و قد استطاع الذهب مقاومة ارتفاع سعر صرف الدولار، و تأثيرات انخفاض أسعار الأصول و السلع و عمليات جني أرباح المضاربين، و استفاد من الطلب كملاذ آمن.
فتح قادة الدول الأوروبية المجال لأن يتم استخدام النقد المتاح لخطط الإنقاذ من أجل شراء سندات اليونان التي تعاني المشاكل، حيث أن هذه الخطوة جاءت من أجل الحد من احتمالات انتقال العدوى للدول الكبيرة المجاورة أهمها إيطاليا في الوقت الراهن و التي بدأت فيها معالم ظهور الأزمة. شهدت أسواق إيطاليا و إسبانيا أمس أسوأ أداء يومي تاريخي، حيث أن الدولة الثالثة و الرابعة من ناحية حجم الاقتصاد في أوروبا، مهددتان في تفشّي الأزمة في حال استمرت الضغوط السلبية لها في الامتداد. في وقت قد يكون فيه متاح إنقاذ دول مثل اليونان و البرتغال و أيرلندا التي تعاني أزمة الديون، قد يكون إنقاذ دول بحجم إيطاليا و إسبانيا أمر شبه مستحيل. هذا ما سبب تشاؤماً كبيراً في الأسواق المالية مما استدعى اجتماع القادة الأوروبيين الطارئ أمس، في محاولات لإيجاد الحلول، لكن على ما يبدو، فالحلول موجّهة للدول الصغيرة و المتداولون قلقون من وقوع دول كبرى في الاتحاد الأوروبي في أزمة لا يمكن أن يتم تخفيفها لكبر حجم اقتصادياتها.
انخفض كل من سعر الفضة و سعر البلاتين، فقد شهدت أسواق المعادن الثمينة جني أرباح من قبل المضاربين في السعر السوقي، و هذا ما ظهر تأثيره بشكل كبير على الفضة الذي انخفض بمقدار 2.62% خلال جلسة أمس و أغلق تداولات نيويورك عند مستوى 35.75 دولار للأونصة الواحدة. انخفض سعر البلاتين كذلك وسط بيع البلاتين على توقعات انخفاض الطلب عليه، و أغلق السعر عند مستوى 1723.00 دولار للأونصة فاقداً 0.69% خلال أمس.
لو نظرنا إلى أداء أسواق السلع أمس، سوف نجد بأنها انخفضت أيضاً بشكل عام، حيث أن مؤشر S&P GSCI فقد حوالي 5.32 نقطة و انخفض مؤشر RJ/CRB بمقدار 2.93 نقطة أمس. بالنسبة لسعر النفط، فقد خسر خلال جلسة يوم أمس حوالي الدولار و استمر الاتجاه الهابط هذا اليوم أيضاً. استمر كذلك سعر صرف الدولار الأمريكي هذا اليوم في الارتفاع حتى حقق مؤشر الدولار الأمريكي الأعلى له اليوم عند 76.39 نقطة مرتفعاً من مستويات افتتاح الأسبوع عند 75.30 نقطة. يتم طلب الدولار بعد بيع الأصول المرتفعة العائد، و هذا ما يسبب الارتفاع في سعر صرفه بشكل كبير.
إن استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي، كذلك انخفاض أسعار الأصول بدأ في التأثير على الذهب. كذلك، أشرنا في تقريرنا يوم أمس إلى أن عدم ارتفاع سعر الذهب بشكل كاف، لا يعوّض التكاليف المرتفعة للمضاربة في الذهب و كذلك تكاليف الاحتفاظ به كملاذ آمن، و هذا ما سبب اليوم بعض الضغوط السلبية على الذهب.
نرى سعر الذهب اليوم يتداول بانخفاض مقداره 0.40% حول مستوى 1548.20 دولار للأونصة، و هذا الانخفاض في السعر كما أشرنا كان بفعل الفشل في الاستمرار في الاتجاه الصاعد مما سبب توجّها نحو جني الأرباح من قبل المضاربين. كذلك، من استخدموا الذهب كملاذ آمن، قاموا ببيع أجزاء من الاحتياطيات لتعويض التكاليف المرتفعة. لكن، لو نظرنا إلى سعر الذهب و أداءه مقارنة في المعادن الثمينة الأخرى، سوف نجد بأن انخفاض اليوم كان جزء من ارتفاع أمس، و كذلك الانخفاض كان الأقل بين المعادن الثمينة الرئيسية الثلاث.
يتداول سعر الفضة الآن حول مستوى 35.50 دولار للأونصة بعد أن فقد 0.70% أخرى من سعر الأونصة منذ إغلاق جلسة نيويورك أمس، و لو نظرنا إلى البلاتين، فسوف نجد بأنه مستمر في الانخفاض هذا اليوم أيضاً و فقد حوالي 0.46% ليتداول في هذه اللحظات حول مستوى 1715.00 دولار للأونصة. الأسعار المشار لها في هذه الفقرة و الفقرة السابقة، كما هي في الأسواق المالية في تمام الساعة 02:44 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 06:44 بتوقيت غرينتش ).
إن تخفيض توقعات النمو في اليابان لعام 2011، و كذلك توقعات التباطؤ الاقتصادي في الصين بسبب سياسات تصعيب شروط الائتمان، فيما أوروبا تعاني أزمة الديون السيادية و الولايات المتحدة بدأت تبدي ملامح ضعف في أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، و لا يجب أن ننسى بأن المملكة المتحدّة تعاني انخفاضاً حاداً في أداء القطاعات يرافقه ارتفاع ملحوظ في مستويات التضخم، كلها أسباب تجتمع لتكون سبباً لاستمرار التشاؤم في الأسواق المالية و هذا في العادة يدعم سعر الذهب. لكن، مع ملاحظتنا لتكرار الانخفاض في السعر بعد فشل أي موجة صاعدة من الامتداد، لا نستبعد أن نرى مزيداً من الضغوط السلبي على سعر الذهب. لكن، لا يجب أن ننسى بأن الميل الصاعد الإجمالي لسعر الذهب، قد يبقى مستمراً مع دوام حالة التوتّر و التشاؤم في الأسواق المالية جراء ارتفاع التضخم و انخفاض أداء النمو الاقتصادي.
معضلة اقتصادية كبيرة، و يبدو أن الحل لها حالياً هو التحوّط من مخاطرها، فارتفاع التضخم و مخاطر تدهور الاقتصاد الدولي مجدداً، قد يكون سبباً لجذب ملاذ آمن للذهب، فكما نتذكّر، فالإعلان عن تفشّي الأزمة الائتمانية و انهيار بنك ليمان برذرز في الـ 15 من عام 2008، دخل سعر الذهب بعد ذلك ببعض الوقت اتجاهاً صاعداً حاداً ، رغم أن السعر شهد قليلاً من الانخفاض بعد حصول ذلك مباشرة، إلا أن الفترة لم تتعدّى الشهر حتى بدأت الموجة الصاعدة للذهب في تحقيق أسعار قياسية واحداً تلو الآخر.
الآن، نحن في حالة خطر كبير جداً من أن تفلس دول أوروبية، و هذا قد يكون تأثيره كبير جداً حتى و لو أن هذه الأمور ما زالت تكهّنات، لكن حتى هذه المخاوف قد تكون داعمة لسعر الذهب. لكن في الحقيقة، لا نستبعد التذبذب الكبير، بل لا نستبعد الانخفاض في سعر الذهب بتأثير من استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار و ارتفاع التكاليف مقارنة في العائد بالنسبة للمضاربين في الذهب و طالبي الملاذ الآمن مما قد يجبرهم على جني بعض الأرباح.