«المركزي السوداني» يخفض الجنيه بنسبة كبيرة ويحرم المصارف من بعض التحويلات
وسط مخاوف من هزة مالية إذا انفصل الجنوب
بنك السودان المركزي («الشرق الأوسط»)الخرطوم: فايز الشيخ
أعلن بنك السودان المركزي أمس سياسة نقدية جديدة رفعت سعر الدولار الأميركي بنسبة 16.29% ليقفز السعر الرسمي إلى نحو 2.9 جنيه سوداني مقابل الدولار، بينما يصل السعر في السوق الموازية إلى نحو 3 جنيهات. وذلك في أكبر انخفاض للعملة السودانية منذ سنوات وقبيل إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب الغني بالنفط. وأصدر محافظ بنك السودان صابر محمد الحسن، أمس، جملة من التعديلات المهمة على ضوابط النقد الأجنبي؛ حيث وجه الحسن المصارف والصرافات بتطبيق الزيادة الجديدة اعتبارا من أمس الاثنين. وأطلق البنك المركزي الزيادات على سعر البيع اسم الحوافز، لكل من يبيع نقدا أجنبيا للمصارف والصرافات سواء أكان من حصيلة الصادر أم من الموارد الأخرى، وذلك بإضافة نسبة مئوية - يحددها البنك المركزي - إلى السعر الرسمي المحدد للشراء. وأشار إلى أن هذه النسبة قابلة للتعديل من وقت لآخر، وبلغت نسبة الحافز بالنسبة للبيع في اليوم الأول من تطبيق النظام 16.29%. وأكد الحسن أن القرار جاء تشجيعا لجذب موارد النقد الأجنبي ليتم شراؤها في السوق المنظمة بأسعار مجزية للبائعين اشتملت الضوابط الجديدة على آلية تحفيز.
وعبر خبراء اقتصاديون سودانيون عن قلقهم البالغ من ارتفاع الدولار المفاجئ وانخفاض العملة السودانية بوتيرة متسارعة، وقال لـ«الشرق الأوسط» الاقتصادي والمصرفي محمد رشاد: «بهذا يصبح سعر الدولار الأميركي في البنوك 2.9 جنيه ليرتفع السعر في السوق السوداء (الموازية) إلى 3 جنيهات للدولار الأميركي»، مشيرا إلى أن «بنك السودان سوف يشترى تحويلات حسابات السفارات والهيئات الدبلوماسية والهيئات الإقليمية ومنظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والعمل الطوعي ليحولها بالجنيه السوداني للبنوك، مما يحرمها من أحد مصادر النقد الأجنبي المهمة، وسوف يقلل من قدرتها في التنافس، ويهدد مصيرها». كان البنك الدولي، في السياق ذاته، قد كشف في تقرير صدر في يوليو (تموز) 2009 عن صندوق النقد الدولي - الذي أرسل بعثتين للسودان خلال العام الحالي لتقييم الوضع الاقتصادي في السودان - عن أن مؤشرات التدهور في الاقتصاد السوداني تقتضي من الحكومة السودانية القيام بتغييرات كبيرة في سياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية وسياسات صرف النقد الأجنبي.
وقد ورد في التقرير أن احتياطات النقد الأجنبي في السودان شهدت تراجعا كبيرا خلال الأعوام الأخيرة؛ حيث تراجعت احتياطات النقد الأجنبي من ملياري دولار أميركي، كما في منتصف 2008، إلى 300 مليون دولار فقط في مارس 2009. وقد أوضح صندوق النقد الدولي أن هذا التراجع يُعزى إلى انخفاض أسعار البترول الذي يعتبر من الصادرات الرئيسية للسودان، والتدخل المكثف من البنك المركزي لأجل المحافظة على استقرار سعر صرف الجنيه السوداني. وأوضح التقرير أن حكومة السودان قللت مؤخرا التدخلات لتثبيت سعر صرف الجنيه، مما أدى إلى انخفاضه مقارنة بالدولار الأميركي من 4% كما في الربع الأخير من عام 2008 إلى 8% كما في الربع الأول من عام 2009. وقد أدى تراجع احتياطات النقد الأجنبي إلى قيام الحكومة السودانية مؤخرا بتقييد سقف العملات الأجنبية بالنسبة إلى الأفراد المسافرين للخارج، كما بدأ الأمن الاقتصادي حملات واسعة وسط تجار العملة؛ حيث يمثل 10 منهم أمام المحاكم بتهمة الاتجار بالعملة، واشتملت الضوابط الجديدة على تعديلات خاصة بالحسابات الخاصة (حسابات الأجانب) وحسابات المقاولين المحليين، إضافة إلى تعديلات في مجال الاستيراد وخطابات الضمان بالنقد الأجنبي ومجالات أخرى. ومما يجدر ذكره أنها - في مجال الصادر - ألزمت المصدرين ببيع حصيلة الصادر إلى المصرف الذي قام بتمويل العملية. أما حصائل الصادر المنفذة من مصادر تمويل أخرى فتباع للمصرف المنفذ لعملية الصادر أو المصارف الأخرى لتنفيذ عمليات الاستيراد، كما سمح باستخدام حصيلة الصادر لأغراض السفر بموجب المستندات المؤيدة.
ويتخوف المراقبون من «هزة عنيفة سوف يتعرض لها الاقتصاد السوداني حال انفصال الجنوب العام المقبل؛ حيث تعتمد الموازنة العامة على نسبة (70%) على عائدات النفط، التي تشكل أكثر من 80% من جملة صادرات السودان وعائداته بالنقد الأجنبي»، لكن محافظ البنك المركزي أكد أن الشمال سوف يسترد نسبة 30% من النقد الأجنبي عبر إيجاره أنابيب النفط المنتج في الجنوب، ويصدر عبر موانئ الشمال بالبحر الأحمر