اقتصاد منطقة اليورو يتنفس الصعداء
.
اكتسبت صفات مثل “في النزع الأخير” أو “عاجز” أو “مصاب بالتصلب” شعبية في وصف اقتصاد منطقة اليورو التي تضم 19 دولة أوروبية، لكن ربما لم تعد صفات ملائمة للحال الآن .. فقد بدأت منطقة اليورو رويدا رويدا لأسباب على رأسها تدابير التحفيز الضخمة التي أخذها البنك المركزي الاوروبي تظهر علامات التحسن الاقتصادي. ويمثل ذلك انبلاج فجر مرحلة جديدة يكافح المسؤولون لرعايتها حتى ترى ضوء النهار.
وربما لا يكون هذا التطور محسوسا بالقدر نفسه بصفة عامة أي فيما يتعلق بالبطالة في كل من أسبانيا واليونان بالمقارنة مع النشاط الذي تشهده شركات البناء في ألمانيا.
غير أن الأرقام تبدو إيجابية عموما حتى إذا استبعدنا فكرة حدوث هذا الانتعاش في وقت تواجه فيه الصين تقلبات وتشهد فيه الأسواق المالية تقلبات.
وبلغ معدل النمو الاقتصادي السنوي 1.6% في الربع الثالث من 2015، ورغم أن هذا المعدل لا يبدو مرتفعا فهو يمثل تقريبا مثلي متوسط النمو السنوي في الفترة من 2003 إلى 2014 (وهذا المتوسط منخفض عن المعتاد بفعل الانكماش الاقتصادي الحاد الذي سجل في 2009) ويعادل أعلى معدل منذ 2010، ولهذا فالمعدل يعتبر جيدا بدرجة معقولة بالنسبة لمنطقة اليورو.
ويتوقع خبراء البنك المركزي الأوروبي واقتصاديون أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بوتيرة أسرع قليلا هذا العام تبلغ نحو1.7%.
وتشير بيانات أخرى إلى أداء اقتصاد أقوى من المعلن، فالبطالة تشهد انخفاضا مطردا إلى حد ما، إذ بلغ المعدل 10.5% في نوفمبر / تشرين الثاني وهو معدل مرتفع لكنه أقل معدل منذ أكثر من أربع سنوات كما أنه يقل بشكل ملحوظ عن النسبة المسجلة عام 2013 وهي 12%.
وتشهد ثقة المستثمرين ارتفاعا كما أن المعنويات الاقتصادية بلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من أربع سنوات، كذلك ارتفع قطاع الصناعات التحويلية وفقا لمؤشرات مديري المشتريات بمعدلات ايجابية في عام 2015 رغم أنه مازال أقل من الذروة التي بلغها عام 2013، وفي ضوء الأحوال التي كانت عليها منطقة اليورو والتنبؤات الكثيرة بانهيارها اقتصاديا وسياسيا فإن هذا التحسن النسبي محسوس.
وبحسب رئيس قسم الاستراتيجية العالمية في “ستاندرد لايف انفستمنتس” أندرو ميليغان فانّ “أداء ثالث أكبر تكتل اقتصادي في العالم جيد فعليا.”
وأضاف ميليغان ان عددا من العوامل الرئيسية يدعم ذلك منها “السياسات النقدية والمالية وتحسن بدرجة ما للجهاز المصرفي وتحسن الأجور الحقيقية مدعومة بانخفاض تكاليف الطاقة والطلب الكامن مع تحسن ثقة المستهلكين في تلك الدول التي شهدت بضع سنوات صعبة.”
تأثير التنين الصيني
والخطر أن كل هذا يمكن أن ينهار في ثانية بفعل ما وصف وزير مالية بريطانيا جورج أوزبورن بأنه “مزيج خطير” من المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي، وعلى رأس هذه المخاطر التباطوء الاقتصادي في الصين التي تمثل ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الاوروبي بعد الولايات المتحدة.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الاوروبي نحو مليار دولار يوميا وفقا لبيانات المفوضية الاوروبية.
ويقدر بنك “يو.بي.اس” تباطوء النمو الاقتصادي في الصين بواقع نقطة مئوية واحدة سيخفض النمو الاقتصادي في الاتحاد الاوروبي بما بين 0.1 و0.3 من النقطة المئوية. ويقول البنك إن ذلك سيكون مقدورا عليه.
وإذا حدث انخفاض مماثل في الأسواق الناشئة فسيخفض النمو بما بين 0.2 و0.4 نقطة مئوية.
ومع ذلك فقد سبق أن شهد الاقتصاد في أوروبا وفي منطقة اليورو بالأخص نموا حتى حينما تباطأ النمو في الصين والأسواق الناشئة.
ففي النصف الأول من 2015 على سبيل المثال انخفض نمو الصادرات الألمانية للصين إلى 0.8% فقط وانكمشت الصادرات الهندسية بنسبة 4.9%، ومع ذلك فقد كان نمو الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا 1.8%وفق أحدث البيانات.
ورغم ذلك فالقضية الرئيسية هي أن تدابير التحفيز التي اتخذها البنك المركزي الاوروبي وتبلغ قيمتها 60 مليار يورو (66 مليار دولار) شهريا لا تواجه خطر الانتهاء وربما تعوض جانبا كبيرا من أثر الاضطرابات الخارجية.
كذلك فإن انخفاض أسعار السلع الأولية سيكون مفيدا مهما كانت المخاوف من الانكماش.
وبالطبع فإن منطقة اليورو ستشهد اضطرابات خطيرة إذا حدثت مثل هذه الاضطرابات في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
لكن وصف اقتصاد منطقة اليورو بصفات سلبية يمثل مبالغة في الوقت الحالي.