انخفاض تسارع نمو الاقتصاديات الأوروبية و المخاوف تزداد بشأن الديون السيادية لدول المنطقة
لم يكن مفاجئا للأسواق أن تشهد تراجع وتيرة النمو للاقتصاديات الأوروبية في الربع الثالث و ذلك على حسب ما كان متوقعا منذ النصف الأول من العام الحالي و الذي قد شهدت فيه انتعاشا إلى حد ما بفعل تراجع سعر الصرف و التحسن النسبي لمستويات الطلب العالمي.
هذا الأسبوع اعلنت منطقة اليورو عن القراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثالث و التي تراجعت إلى 0.4% بعد أن كانت قد سجلت نمو بنسبة 1% في الربع الثاني، وهذا يرجع إلى عدم تناسق وتيرة نمو اقتصاديات المنطقة مع بعضها البعض بجانب ارتفاع قيمة اليورو منذ بداية النصف الثاني من العام الحالي الأمر الذي أضر بصاردات المنطقة.
تراجع أيضا النمو في الاقتصاد الألماني في الربع الثالث ليسجل مستوى 0.7% من 2.3% في الربع الثاني عندما وصل النمو إلى ذروته محققا أفضل أداء منذ عقدين. كما انخفضت وتيرة نمو الاقتصاد الفرنسي (ثاني أكبر اقتصاديات المنطقة) إلى 0.4% من 0.7% للربع الثاني وكما هو الحال بالنسبة للاقتصاد الايطالي و الذي سجل نمو بنسبة 0.2% من 0.5%. و إن كانت هذه الاقتصاديات تعبر عن وتيرة نمو معتدلة و أيضا منطقية وفقا لتأثرها بالأحداث العالمية و ضعف مستويات الطلب.
لكن في المقابل نرى أن الدول الاعضاء الأكثر معاناة من أزمة الديون السيادية مثل اليونان فقد حققت إنكماش في نفس الفترة بنسبة 1.1% بينما سجلت البرتغال نمو بنسبة 0.4% من 0.2% للربع الثاني. و إن كان هذا النمو الذي تحقق في البرتغال يعد ايجابيا، إلا أنه لم يهدئ من المخاوف في الأسواق. بالتالي أثر سلبا على قيمة اليورو أمام الدولار الأمريكي ليتراجع إلى أدنى مستوى منذ ستة أسابيع وهو الأمر الذي يعد إيجابيا بالنسبة لأهداق البنك الأوروبي لكن في الوقت نفسه يعبر عن مدى القلق الذي ينتاب المستثمرين في الأسواق.
الأسبوع الماضي كانت أيرلندا و البرتغال مصدر قلق للمستثمرين في الأسواق و إن كانت أيرلندا الأكثر قلقا مع فشل الحكومة في إقناع المستثمرين حيال قدرتها على التصدي لحجم العجز المرتفع الأمر الذي دفع إلى انخفاض قيمة سنداتها و ارتفاع العائد عليها بشكل قياسي خاصة مع تنامي الإحتمالات التي تشير أن أيرلندا على أعتاب طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي و صندوق النقد الدولي و إن كانت وزارة المالية الأيرلندية نفت ذلك يوم الجمعة السابق.
الجدير بالذكر أن الحكومة قد أعلنت عن خطة لخفض الإنفاق العام بقيمة 6 بليون يورو للعام المالي 2011 بينما تبلغ تكلفة إصلاح و إعادة هيكلة القطاع المصرفي بقيمة 50 بليون يورو. تسعى الحكومة إلى خفض العجز ليصل إلى المستوى المطلوب من الاتحاد الأوروبي بنسبة 3% بحلول عام 2014 وذلك من عجز بنسبة 12% للعام الحالي، و تشير الأرقام إلى أن العجز قد يصل إلى 32% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي و ذلك بإضافة تكلفة إصلاح القطاع المصرفي.
انتقالا إلى بريطانيا فإن تقرير التضخم الذي صدر الأسبوع الماضي عن البنك المركزي البريطاني فكان محايدا للغاية ولم يأتي بالجديد إلا التنويه إلى أن الاقتصاد البريطاني سيواصل تحقيق النمو خلال الفترة المقبلة وإن كانت وتيرة ذلك سوف تكون بضعيفة، لكن يرى أن هنالك بعض من العوامل التي من شأنها أن تساعد الاقتصاد على تحقيق ذلك النمو.
وتتثمل تلك العوامل في ضعف قيمة الجنيه الإسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى بالإضافة إلى خطط التحفيز التي قام بها البنك، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على انفاق القطاع الخاص و تحقيق بعض الاستقرار للاقتصاد.
لكن في الوقت نفسه هنالك بعض من المعوقات التي ترجح تباطؤ وتيرة النمو على المدى القريب وذلك بسبب إجراءات الإصلاح المالي التي تقوم بها الحكومة بالإضافة إلى تقلص حجم عمليات الإئتمان في البلاد ويأتي ذلك بالتوازي مع تراجع مخرجات الانتاج و مستويات الثقة.
أما بالنسبة للمستوى العام للأسعار فيرى البنك أن التضخم من شأنه أن يبقى أعلى من المستوى الآمن لإستقرار الأسعار لنسبة 2% على مدار العام المقبل 2011، و يرجح ذلك إلى إنخفاض قيمة الجنيه الإسترليني ومن ثم ارتفاع تكلفة السلع المستوردة هذا بجانب إتجاه الحكومة نحو رفع سعر الضريبة على المبيعات لتصل إلى 20% في بداية العام المقبل من 17.5% حاليا. الأمر الذي يدعم ارتفاع الاسعار.
فيما أظهر التقرير أنه على الرغم من تلك التوقعات إلا أنه بإنتهاء تلك العوامل المؤثرة فقد يتراجع التضخم بسبب ارتفاع حجم الطاقة الفائضة و غير المستغلة في نهاية عام 2012 وهو نهاية المدى الذي تدور حوله توقعات البنك و إن كانت هذه التوقعات تتسم بعدم التأكد.
الجدير بالذكر أن معدل التضخم سجل في سبتمبر/أيلول السابق ارتفاع بنسبة 3.1% ليبقى مرتفعا فوق الحد الأعلى لنسبة 3% للشهر الثامن على التوالي و الذي دفع بالسيد كينج رئيس البنك بإرسال ثلاث خطابات إلى الحكومة لتبرير ذلك الارتفاع و الذي أرجعها إلى عوامل مؤقتة تتمثل في رفع سعر ضريبة المبيعات و ارتفاع أسعار الطاقة بجانب ضعف سعر صرف العملة الملكية.
و إن كان هذا الارتفاع في المستوى العام للأسعار لا يتوازى مع ويترة النمو التي شهدها الاقتصاد البريطاني في الربع الثالث إذ أظهرت القراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي تحقيق نمو بنسبة 0.8% في الربع الثالث ومتراجعا عن 1.2% كنمو متحقق في الربع الثاني و الذي يعد أفضل أداء تم تسجيله منذ عام 1999.