في تونس ومصر يثور الشباب على الحكام القدامى. وفي بريطانيا يثورون على الرسوم الدراسية. فما العوامل المشتركة بين هؤلاء الشباب؟ إنهم يعانون وإن بطرق مختلفة مما سماه ديفيد ويليتس، وزير التعليم العالي البريطاني ـ في كتاب نشر العام الماضي ـ ''الظرف العصيب''.
في بعض البلدان يتمثل التحدي في وجود فائض من الشباب، وفي بلدان أخرى يكون عدد الشباب قليلاً دون الحد. لكن في البلدان التي يفوق فيها عدد الشباب عدد المسنين يمكنهم ضمان مصير أفضل من خلال صناديق الاقتراع. وفي الدول التي يفوق فيها المسنون عدد الشباب، يمكنهم بدلا من ذلك استخدام صندوق الاقتراع لصالحهم. وفي كلتا الحالتين هناك قوى قوية تزعزع الاستقرار وتجلب الفرص لبعضهم وخيبة الأمل لبعض آخر.
وتشكل الديموغرافيا (السكان) عاملا مركزيا. فالإنسانية واقعة في قبضة ثلاثة تحولات عميقة: الأول نسبة أكبر بكثير من الأطفال الذين يصلون إلى سن البلوغ. والثاني إنجاب النساء عدداً قليلاً من الأطفال دون الحد. وأخيرا الكبار يعيشون لفترة أطول بكثير. هذه التغيرات تعمل الآن بطريقة متسلسلة عبر العالم. وكان تأثير التحول الأول هو زيادة نسبة السكان الشباب. وتأثير التحول الثاني هو العكس تماما، إذ انخفضت نسبة الشباب. وفي المقابل يزيد التحول الثالث نسبة السكان المسنين جدا. وتأثير العملية برمتها هو أولا زيادة عدد السكان ولاحقا تقليصه مرة أخرى.
قارن بين مصر والمملكة المتحدة. في عام 1954 كان متوسط العمر المتوقع في بريطانيا 70 عاماً، وكان عدد الأطفال الذين يموتون في الفترة بين الولادة وسن الخامسة 30 طفلاً لكل ألف طفل. وفي العام نفسه كان متوسط العمر المتوقع في مصر 44 عاماً، في حين كان معدل وفيات الأطفال 353 طفلاً لكل ألف طفل، وهو معدل مروع. وفي عام 2009 ارتفع متوسط العمر المتوقع في المملكة المتحدة إلى 80 سنة وانخفض معدل وفيات الأطفال إلى 5.5 طفل لكل ألف طفل. وقفز متوسط العمر المتوقع في مصر إلى 70 سنة وانخفض معدل الوفيات إلى 21، وهو تحول مذهل. وكانت أرقام عدد الأطفال لكل امرأة على مر هذه السنوات مذهلا بالقدر نفسه، إذ انخفض من 2.3 إلى 1.8 في المملكة المتحدة ومن 6.5 إلى 2.8 في مصر. وانخفض بنسبة أكبر في إيران؛ من 7.0 إلى 1.8. والدِيْن ببساطة لا يحدد الخصوبة.
هذه تغيرات ثورية، وهي تغيرات تحدث بشكل أسرع بكثير في البلدان النامية منها في الدول المتقدمة القديمة. والأهم من ذلك أنها تطورات جيدة.
التغيرات الضخمة التي من هذا القبيل تجلب معها دائما اضطرابات اجتماعية هائلة. فكثير من البلدان النامية هي الآن في المراحل المبكرة من التحول السكاني. وهذا يعني أن عدد الشباب فيها يزيد عما كانت تتوقع. فحتى عهد قريب يعود إلى عام 1985، كانت الأمهات المصريات ينجبن ما متوسطه ستة أطفال. وفي الوقت نفسه تدخل البلدان ذات الدخل المرتفع المرحلة الأخيرة من هذا التحول. فجيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية أصبح مسنا وهناك عدد أقل من الشباب البالغين اللازمين لإعالة هؤلاء المسنين.
في عام 2011 سيكون نصف سكان مصر تحت سن 25، في حين أن 36 في المائة منهم ستتراوح أعمارهم بين 15 و35 سنة. وهذه الفئة هي من الشباب البالغين الغاضبين الذين يبحثون باستماتة عن العمل من أجل أن يأملوا على الأقل في حياة عائلية طبيعية. وفي الوقت نفسه في المملكة المتحدة، حيث كان معدل المواليد لفترة أطول بكثير قريبا من طفلين لكل امرأة، فإن 31 في المائة فقط تحت سن 25، بينما 35 في المائة تزيد أعمارهم عن 50 سنة (مقابل 15 في المائة فقط في مصر).
وهكذا يتلاعب الأشخاص في منتصف العمر وكبار السن بالحياة السياسية والاقتصادية لصالحهم في المملكة المتحدة، وبالتالي الطريقة التي يتم بها تقييم السياسات المتعلقة بتمويل الإسكان أو التعليم. وفي مصر يمكن للشباب بسهولة التغلب على كبار السن عن طريق التصويت. ومن هنا تأتي أهمية القوى وراء الثورة الديمقراطية التي من المفترض أن تنقل مزيدا من السلطة إليهم. ومصر ليست البلد النامي الوحيد، ولن يكون الأخير، الذي تهزه الأغلبية من الشباب الذين لديهم مثاليات، لكنهم في الوقت نفسه يشعرون بالإحباط..وهذه المرحلة ستمر أيضا. فوفقا للاتجاهات الحالية ستبدو مصر عام 2040 شبيهة بالمملكة المتحدة اليوم. وبحسب مكتب الإحصاء الأمريكي، سيكون 26 في المائة من السكان فوق سن 50. لكن المملكة المتحدة ستتحرك صعودا أيضا: ربما يكون 41 في المائة من سكانها فوق 50 عاماً.
ويبدو المستقبل رماديا، يميل إلى المشيب. وفي البلدان ذات الدخل المرتفع سيكون رماديا جدا. وفي الواقع ربما تكون نسبة المسنين في بعض البلدان المتقدمة أكثر من المملكة المتحدة: يتوقع أن تكون نسبة السكان فوق سن 50 في إيطاليا 50 في المائة بحلول عام 2040، وستكون نسبة كبيرة تبلغ 9 في المائة فوق سن 80.
وربما يستحضر المرء هنا شخصية ميراندا في مسرحية ''العاصفة'' لشكسبير، التي يمكن أن تنادي: أيها العالم القديم الشجاع! الذي فيه كثير من كبار السن!
بالنسبة للبلدان التي فيها سكان من الشباب، التحدي المباشر هو إيجاد اقتصاد ديناميكي يجلب الأمل بفرص عمل ذات عائد مجز. ولا شك أن عدم فعل ذلك هو أكثر ما يهدد الحكومات، مثل حكومة حسني مبارك. وتدرك القيادة الصينية هذه الحاجة الملحة. بالتالي على الحكومات على الأقل توفير فرص عمل. وإذا فشلت ستفقد السلطة - ويجب أن تفقدها.
وفي الوقت نفسه في البلدان ذات الدخل المرتفع يجب أن يعمل كبار السن لفترة أطول من المتوقع من دون أن يجعلوا الشباب يعتقدون أن الفرص المتاحة لهم محجوبة إلى ما قد يبدو أنه أبد الدهر. ويجب على تلك البلدان أيضا موازنة دفاتر المالية العامة مع تقدم السن لدى السكان.
وفي كلتا الحالتين سيصرخ الشباب صرخة سمعت ولا تزال على مر العصور: ''هذا ليس عادلا''. وهم محقين بلا شك. فهذا لا يكون عادلا أبدا، لكن عليهم أن يتذكروا أن الشباب سيفوزون في النهاية. الأمر ليس سوى مسألة وقت.