رســالة من لاجئ فلسطيني إلــى لاجئ سوري
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
ستكون الخيمة مزعجة في الليلة الأولى ، ثم في السنة الأولى ، بعد ذلك ستصير ودودةً كواحدٍ من العائلة ، لكن حاذر أن تقع في حبها ؛ كما فعلنا !
... ... لا تبتهج إن رأيتهم يقيمون لكم مركزاً صحياً ، أو مدرسةً ابتدائية ، هذا خبرٌ غير سارّ أبداً !وإيّاك أن تتورط بمطالبات غبية مثل بناء بيوت بسيطة بدل الخيام ، أو بخطوط مياه وكهرباء ، ذلك يعني أنك بدأت تتعايش .. وهنا م............َقتلُ اللاجىء ، وهنا أيضاً مَقبرته !
ولا تُدرّب أولادك على الصبر، الصبر حيلة العاجز، وذريعة مَن تَخلّى، واللاجىء يموت إن لم ينظر خلفه مرّتين في اللحظة الواحدة .
أنت لستَ ابن " هناك " ؛ تَذَكّر هذا دائماً ؛ أنت لك " هنا " جميل ولا يُخان ، ..لا تنم ليلةً دون أن تُعدّد محاسنه لأطفالك ، واقرأ عليهم كيف مات الناس ، وكيف ذُبحوا على شاشات التلفزيون لأنهم لم يُصفّقوا للخِطاب ، وقل لهم أنك تنام بين أشجارٍ غريبةٍ ، لأنك لم تشأ أن تُلدغَ من " أسدٍ" واحدٍ مَرّتين !
سيبيعك الناس لبعضهم ، تلك هواية السياسيين ، وسيجيؤك المتضامنون من كل البلاد ، ستصير أنتَ شعارهم الانتخابي ، ويتقربون بك إلى الله ، وستزداد همّة الناس في تفقّدك في "رمضان" وفي الأعياد والمناسبات الدينية !والبعض سيصوّر أطفالك منهكين وجائعين وزوجتك النائمة الآن في الظلّ لــ تكون موضوعاً لصورةٍ تفوز بجائزةٍ دولية !
ستتعلّمون لغات جديدة ، ومشاعر جديدة ، وستنشأ علاقةٌ مُلتبسةٌ مع المنفى ، وقد تشعر في ليلةٍ ماكرةٍ بأنه لا ينقصهُ شيء ليكون كافياً كوطن .. ؛
لكنك سرعان ما ستنتبه : الأشجار هنا لا تخضرّ كما يجب ، والملح ليس مالحاً ، والذين ماتوا لن يغفروا لي ، وتعود تنظر للوراء مرّتين !وهنا سيتقدمُ ابنك -الذي صار رجلاً دون أن تنتبه - ليحمل عنك الذاكرة ، .. ويحمل حُلمك الذي أنقض ظهرك !
ربما يا صديقي أن الأمر سيبدو مُعقّداً في البداية ؛لكنّه واضحٌ : أنت "هناك" لأن الـ " هنا " متوعكةٌ ،وقد يطول غيابك ليلتين ، لكنك لستَ في رحلةٍ للبحث عن هويّة جديدةٍ ، ولن تُفكّر حتماً في مدّ سلك كهرباء الى الخيمة ؛ ..تلك خطيئتنا نحنُ ، حين قُلنا : الخيمة ضيّقةٌ ونحتاج خيمتين إضافيتين !
واسمعني، فأنا أفوقك خبرة ب 63 عاماً في هذه "المهنة":لا تلتقط الصور التذكارية مع سفراء النوايا الحسنة، ولا تشكو لهم حرارة الطقس أو من الحصى في الخبز ، وحاذر أن تطالب بخيمةٍ أفضل ، ليس ثمة خيمة أفضل من خيمة الوطن.
وتصبحون على وطن