انطلاقة “اليوان” كعملة احتياط في العالم مرهونة باصلاحات بكين
يساهم اقرار صندوق النقد الدولي اعتماد اليوان كعملة احتياط في تشجيع التداول به خارج الصين ويعزز موقعه ضمن احتياطات المصارف المركزية، الا ان انطلاقته ستستغرق وقتا طويلا مع انعدام امكانية تحويله بحرية وستبقى مرهونة بالاصلاحات المالية المنتظرة من بكين.
وكان صندوق النقد الدولي أقرّ أمس ضم اليوان الى سلة العملات الرئيسية التي تحدد الوحدة الحسابية للمؤسسة المالية معترفا به كعملة احتياط الى جانب الدولار الاميركي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو.
وبذلك تكون بكين حققت انتصارا رمزيا كبيرا لا سيما انها تواصل الجهود لتعزيز مكانة عملتها الوطنية في العالم لتوازي مستوى قوتها الاقتصادية، الا ان عددا من الخبراء يستبعدون ان تجني الصين على الفور فوائد قرار صندوق النقد ولو انه سيشجع حتما المصارف المركزية الكبرى على تسريع عملية تنويع احتياطاتها من العملات.
وعلّق الخبير الاستراتيجي لدى مصرف “كريدي اغريكول” داريوش كوفالسكي على هذا القرار معتبرا أنّ “المصارف المركزية غير ملزمة باعتماد تشكيلة حقوق السحب الخاصة غير انها عمليا تاخذها في الاعتبار”، مضيفا أنّه من المفترض ان ينطبق الامر على اليوان نظرا الى وزن الصين الاقتصادي كثاني قوة في العالم.
وراى ان “حصة اليوان في احتياطات هذه المصارف قد يرتفع خلال ست سنوات من 1.4% حاليا الى ما بين 4.7% و10%” ما يترجم اقبالا على شراء العملة الصينية قد يصل الى 110 مليارات دولار في السنة.
غير ان الخبير الاقتصادي لدى مجموعة “ايه ان زد المصرفية” ريموند يونغ يحذر بان هذا التطور “لن يتم بين ليلة وضحاها” مشيرا الى ان الامر يتوقف على مستوى ثقة المؤسسات المالية.
تفضيل العملات القابلة للتحويل
لكن المصارف المركزية على غرار الشركات التي تدير اموالا تفضل التعاطي بالعملات القابلة للتحويل بشكل تام والتي لها اسواق صرف واسواق سندات واسعة يمكن التداول بها بسهولة، وهنا تحديدا تكمن المشكلة، بحسب خبير “كابيتال ايكونوميكس” اندرو كينينغهام الذي يشير الى أنّ “جاذبية اليوان كعملة احتياط ستصطدم بانعدام قابليتها للصرف وبمحدودية السيولة فضلا عن المخاوف الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد الصيني”.
ويحتم اندماج عملة في سلة صندوق النقد الدولي عليها ان تكون “مستخدمة بشكل واسع وحر”.
ولم يطرح الشرط الاول اي مشكلة على صندوق النقد اذ كان اليوان في سبتمبر /ايلول خامس عملة للمدفوعات الدولية وهو سجل 2.45% من التعاملات ولو ان الفرق يبقى شاسعا مع الدولار الاميركي (43.3%) واليورو (28.6%) بحسب شركة “سويفت” المالية.
اما الشرط الثاني فاثار جدلا اذ ان اليوان يفتقد الى حرية التحويل وتبقى تقلبات سعره محدودة ضمن هامش يتراوح حول سعر محوري يحدد يوميا.
وحرصا منها على تفادي هروب الرساميل تواصل بكين فرض قيود شديدة على حركة الاموال خارج البلاد وفي دليل على تشدد السلطات في هذا الصدد قامت مؤخرا بتفكيك شبكات متهمة بتحويل مئات مليارات اليوان بصفة غير شرعية الى الخارج.
لكن المحللين يشددون على أنّ ضم اليوان الى حقوق السحب الخاصة لا يعوض عن الاصلاحات الهيكلية العميقة التي لا بد منها لفتح النظام المالي الصيني، حيث يلفت محلل “فيتش ريتينغز” اندرو كولكوهون الى أنّ “الصين وعدت برفع الرقابة عن الرساميل بحلول 2020 ما يعني اننا ما زلنا بعيدين عن قابلية التحويل الحر” للعملة الصينية.
سياسة التدخل
وضاعفت الصين اشارات حسن النية فباشرت بتحرير معدلات فائدتها الاساسية وسمحت للعديد من المصارف المركزية والصناديق السيادية الاجنبية بالوصول الى سوقها الداخلية لصرف العملات.
واعلن البنك المركزي الصيني في اغسطس / آب عن تخفيض يناهز 5% في سعر صرف العملة الصينية موضحا انه عدل نظام احتساب السعر المرجعي لليوان ليكون اقرب الى قيمته “الفعلية” في خطوة لقيت ترحيبا من صندوق النقد الدولي.
كذلك ابرم المركزي الصيني اتفاقات مع حوالى ثلاثين من المصارف المركزية الكبرى لتبادل عملات، غير انه سيترتب على بكين تكثيف جهودها ان ارادت التغلب على تشكيك المستثمرين من مؤسسات وجهات خاصة.
ومن غير المتوقع ان يؤدي قرار صندوق النقد الدولي الى الحد من حركة تدفق الرساميل خارج الصين والتي تسارعت على الرغم من القيود المفروضة يغذيها تراجع الظروف الاقتصادية والمخاوف من استمرار في تدني سعر العملة الصينية.
وفي هذا السياق يتوقع المراقبون أن يستمر البنك المركزي في التدخل بصورة مكثفة من اجل ضمان استقرار اليوان اذ ان اي تليين سريع في سياسة ضبط العملة سينعكس تراجعا كبيرا في سعرها في ظل تراجع اسس الاقتصاد الجوهرية وهو ما يعلق عليه خبراء مصرف باركليز بالقول انها “مشكلة مستعصية”.