هل يفاجئنا الاقتصاد الأمريكي بتسجيله نمو أفضل من التوقعات أم لا ؟
والبداية ستكون مع وزارة التجارة الأمريكية التي ستصدر القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثاني من هذا العام والذي من المتوقع أن يشير ثبات معدل نمو الاقتصاد الأمريكي عند القراءة السابقة التي بلغت 1.6%، بينما من المتوقع أن تثبت القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي المقاس بالاسعار أيضا عند القراءة السابقة أي عند 1.9%.
أما بما يخص مؤشر الإنفاق الشخصي فمن المتوقع أن يثبت هو الآخر خلال الربع الثاني عند القراءة السابقة أي مرتفعا بنسبة 2.0%، إضافة إلى التوقعات التي تشير بأن مقياس التضخم المفضل لدى البنك الفدرالي – مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري – سيثبت أيضا خلال الربع الثاني عند القراءة السابقة التي بلغت 1.1%.
واضعين بعين الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي نما خلال الربع الأخير من العام 2009 بنسبة تعد قوية وسط الضغوطات التي تقع على عاتق الاقتصاد ككل، مركّزين على أن النمو تشكّل بالاساس من الارتفاع في الاستثمارات والمخزونات إضافة إلى الدعم المقدم من قبل قطاع الصناعة الأمريكي، وذلك وسط التحسن الذي طرأ مؤخرا والذي بدأ مع النصف الثاني من العام المنصرم، الأمر الذي أكسب الاقتصاد العزم، خاصة مع مواصلة الدعم المقدم من الحكومة الأمريكية للأنشطة الاقتصادية عن طريق السياسة النقدية المتبعة والإجراءات الغير تقليدية.
إلا ان الاقتصاد الأمريكي لم يتمكن من المحافظة على الوتيرة القوية من النمو أو الحفاظ على العزم الذي اكتسبه ليكمل به خلال النصف الأول من العام الحالي، حيث أن النشاطات الاقتصادية تمر في مرحلة تقلص نوعا ما، إذ أن معدلات البطالة وأوضاع التشديد الائتماني تشكل عائقا أمام تقدم الاقتصاد الأمريكي بالشكل المنشود، مع العلم أن البنك الفدرالي صرح مؤخرا في مناسبات عديدة بأن الاقتصاد الأمريكي سيواصل سيره نحو التعافي ولكن بوتيرة "معتدلة وتدريجية".
أما بالنسبة للتضخم فقد أكد البنك الفدرالي مرارا وتكرارا وفي أكثر من تصريح أن مستويات التضخم ستبقى تحت السيطرة خلال العامين المقبلين، وسط تركيز البنك الفدرالي على تعزيز النمو، وبخصوص توقعات البنك الفدرالي حول معدلات التضخم فقد أشار البنك ان مستويات التضخم الجوهرية قد تنحصر ما بين 1.4 – 1.7% خلال العام الحالي، والتي وصفها البنك الفدرالي بأنها لا تزال تحت السيطرة.
ويجب أن نغفل من أذهاننا أن معدل البطالة لا يزال يقف ضمن المستوى الأعلى له منذ حوالي ربع قرن وهذا ما يعيق تقدم الأنشطة الاقتصادية ويحد من مستويات الإنفاق لدى المستهلكين مؤثرا بالسلب على نمو الاقتصادي، وذلك باعتبار أن الإنفاق يمثل حوال 70% من النمو في الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا شهدنا تعثرا في الأنشطة الاقتصادية خلال النصف الأول من هذا العام.
ويبقى سبيل الخلاص للاقتصاد الأمريكي من أسوأ أزمة مالية منذ عقود في يد قطاع العمالة الأمريكي، مع العلم أن التقرير الأسبوعي لطلبات الإعانة الأمريكية سيصدر اليوم عن وزارة العمل الأمريكية، والتي من المتوقع أن تنخفض للأسبوع المنتهي في الخامس والعشرين من أيلول لتصل إلى 460 ألف طلب مقابل 465 ألف، في حين من المتوقع أن تنخفض طلبات الإعانة المستمرة للأسبوع المنتهي في الثامن عشر من أيلول إلى 4473 ألف طلب مقابل 4489 ألف طلب.
كما سيصدر عن الاقتصاد أيضا مؤشر شيكاغو لمدراء المشتريات والذي من المتوقع أن ينخفض خلال أيلول إلى 55.5 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 56.7 وذلك في خضم الاضطراب الذي واجهه قطاعي الصناعة والخدمات وسط العوائق التي تقع على عاتق الاقتصاد الأمريكي ككل.
مشيرين بأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يمر في وقت عصيب بعض الشيء، فهناك من المستثمرين من يتكهّن بأن البنك الفدرالي لن يتوانى عن تقديم يد العون للاقتصاد الأمريكي، والبعض الآخر يشير بأن الوقت والظرف الحاليان لم يحتاجا بعد لإطلاق سلسلة جديدة من المساعدات للاقتصاد، لما له الأثر أيضا في إضعاف الدولار الأمريكي وارتفاع العرض النقدي في الأسواق.
إلا انه من المؤكد أن يتمكن الاقتصاد من إيجاد سبيل الاستقرار، حيث من المحتمل أن يتلقى الاقتصاد المزيد من العزم ليشكل الدعم للأنشطة الاقتصادية إلى حين تحقيق الاستقرار على المدى البعيد، وسرعان ما تبدأ معدلات البطالة بالهبوط بوتيرة أسرع فإننا قد نشهد نسب نمو أكثر قوة، وهذا ما نتوقع حدوثه بحلول النصف الثاني من العام المقبل.
ومن المؤكد أن يواصل الاقتصاد تعافيه من الأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم، و من الجدير بالذكر أن الاقتصاد سيلزمه المزيد من الوقت قبل أن ترجع المياه إلى مجاريها كما يقولون، وبالتالي من المتوقع أن نرى تباينا في أداء الاقتصاد خلال الفترة القادمة، وذلك قبل أن يتمكن الاقتصاد من تحقيق الاستقرار الجزئي بحلول العام 2011...