من خلال خبرة قاربت العقدين في تداول الفوركس، تخللتها نجاحات عديدة وإخفاقات عديدة، رأيت في تداولاتي وفي تداولات من حولي الكثير من الأسباب التي تقود إلى الحقيقة التي مفادها أن نحو 75-80% من جميع المتداولين يخسرون أموالهم في هذا السوق، وأن الربح محصور فقط بالأقلية منا.
عندما تغيرت تشريعات تداول العملات وعقود الفروقات في المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي في أول أيام شهر آب/أغسطس من العام الماضي، بدأ الوسطاء في المملكة المتحدة تحديداً بنشر نسبة الخاسرين من بين عملائهم على مواقعهم، فيما يبدو أنه متطلب تشريعي من قبل الهيئات التنظيمية. عندما بدأت هذه الأرقام في الظهور، كنت أرتاد مواقع الوسطاء البريطانيين التي أصبحت تنشهر هذه المعلومة، لأجد أن الأغلبية الساحقة منها تظهر أن نسبة الخاسرين هي بين 75-80% مع وجود عدد قليل من الوسطاء خارج هذه المنطقة.
هذا يعني أنه من بين 4 أو 5 أشخاص، هنالك 1 فقط يفلت من الخسارة، وليس بالضرورة أنه يحقق الأرباح. فالأرقام المنشورة تحدد نسبة الخاسرين، وفي النسبة المتبقية هنالك الرابحين والذين لا يحققون ربحاً أو خسارة. لذلك، فإن القول أن 75% من المتداولين يخسرون أموالهم، لا يعني إطلاقاً أن 25% يحققون الربح، بل يعني أن مجموع من يحققون الأرباح، بالإضافة إلى أولئك الذين لا يحققون لا هذا ولا ذاك، يشكلون النسبة المتبقية. فإذا إعتمدنا نسبة الـ 75-80%، وقسمنا النسبة المتبقية بالمساواة بين الفئتين، يصبح التقدير لنسبة من يحققون الأرباح هو 10-12.5% فقط. وهذا يعني أنه من بين كل 8-10 أشخاص يتداولون الفوركس، فقط أحدهم هو من يحقق الهدف الأساسي من التداول، وهو الربح. فما هي الأسباب لذلك؟
يتحدث الكثير من المتداولين والمتابعين عن الفجوة في المعلومات بين الوسيط والمتداول، والنظرية غير المثبتة بأن الوسطاء يحركون السوق في الإتجاه المعاكس لأغلب المراكز، ولكن سواء كانت هذه النظريات صحيحة أم لا، فإنها غير مفيدة لانها لا تساعدنا بشكل كبير على تحسين نتائج تداولاتنا. وهنا، يجب على المتداول أن يستثمر ما يقع تحت يده من أدوات لتحسين نتائجه ولتجنب الإنتكاسات المدمرة للحساب.
يميل الكثيرون إلى تعلم التحليل الفني، وهو أداة رائعة لتوقع الإتجاه في الأسواق، ولكن هنالك مشكلتين تصاحبان إستخدام هذه الأداة. الأولى أن التحليل الفني بنفسه يقول أن أي إستراتيجية أو طريقة تداول تصبح معروفة لجميع متداولي السوق ستصبح فاقدة لفاعاليتها (Factored in)، وبالتالي، ومع الجاذبية الكبيرة للتحليل الفني من طرف متداولي هذا العصر، ومع تزايد كبير في أعداد أولئك الذين يعتمدون عليه، فإنه سيفقد جزاً من فاعليته.
المشكلة الثانية هي أن أحد أهم أسس التحليل الفني يقول أن التحليل الفني "يتعامل مع الإحتمالات ولا يتعامل أبدأ مع المؤكدات":
Technical analysis deals with probabilities, never certainties.
وهذا يعني أنه لا يوجد أي محلل أو أسلوب تحليل أو أستراتيجية تعطي توقعات صحيحة على الدوام، وبظر الكثيرين فإن الإسترتيجيات الممتازة هي التي تصل إلى نسبة صحة تبلغ 80%، وهذا يعني أنه من كل 10 توقعات يعطيها المحلل المتألق أو الإستراتيجية الممتازة، سيكون لدينا 2 خطأ. إن المشكلة الأساسية المتسببة بالخسائر لأغلبية المتداولين هي الكيفية التي يتعاملون بها مع هذه المرات القليلة التي يسير فيها السعر بالإتجاه المعاكس لتوقعاتهم.
من السهل جداً التصرف عندما يتحرك السوق بحسب توقعاتنا، لكن قليلون جداً هم من يعرفون كيفية التصرف عندما يثبت لهم السلوك السعري أن توقعاتهم خاطئة. ببساطة، هذه القلة هي من تحقق الأرباح في الأسواق المالية عموماً، ومن ضمنها سوق الفوركس، السوق الأكبر على وجه الأرض.
لنفرض أنك من خلال تعلمك التحليل الفني، توصلت إلى إستراتيجية رائعة نسبة نجاحها 80%، وشعرت بالفرح الغامر عندما قمت بفحص وتجربة هذه الإستراتيجية على فترات طويلة من بيانات السعر لتتأكد من فاعليتها. الخطوة التالية ستكون إيداع الأموال في حساب حقيقي بهدف تطبيق الإستراتيجة، ومنذ اليوم الأول، أظهرت هذه الإستراتيجية نتائج طيبة، وبدأت أنت في تحقيق الأرباح. ستكون في قمة السعادة، وستحلم بتحقيق ثروة بإتباع هذه الإستراتيجية، وستبدأ في حساب الوقت الذي يحتاجه إيداعك الصغير للوصول إلى رصيد عملاق، هو بالنسبة لمعظم المتداولين مبلغ المليون دولار.
لكن ما ستكتشفه بعد عدد من العمليات الموفقة، هو أنه مهما كانت إستراتيجيتك رائعة أو مهما كان تحليلك مثيراً للإعجاب، فإنك في مرحلة ما، ستجد نفسك أمام التحليلات والتوصيات التي تفشل في توقع إتجاه السوق. بكل أسف، الأغلبية الساحقة منا كـ Traders تفقد قدرتها على التصرف عند ظهور أول عملية من هذه العمليات، وتتوقف عن التصرف، وتبدأ بالإعتماد على "الأمل"، الذي هو أحد أكبر أعداء المتداول على الإطلاق.
هنا، يترك المتداول عمليته، حتى عندما يكون قد حدد مستوى إيقاف خسارة، حيث يقوم في كثير من الأحيان بإبعاد مستوى الخروج من السوق إلى مناطق أعمق من الخسارة، فتجد مثلاً أن العملية التي كان من المفترض أن تكون أسوأ نتيجة لها هي الخروج بخسارة 60 نقطة، قد أصبحت مرشحة لخسارة قدرها 150 نقطة، هي مستوى إيقاف الخسارة الجديد، هذا إذا كان هنالك بالأصل مستوى إيقاف خسارة.
إن الإعتراف بالخطأ هي فضيلة يجب على أي شخص يريد أن يصبح متداولاً محترفاً أن يتحلى بها. وبدونها، فإن إمكانية خسارة كامل الرصيد في عملية واحدة أو مجموعة قليلة من العمليات تصبح إمكانية مرشحة للحدوث وبقوة.
بالأضافة إلى العامل المالي في الخسارة، فإن حملاً لا يقل ثقلاً عنه هو العامل النفسي، والذي يترك المحلل أو المتداول مع شعور مرير بالإحراج والخزي أمام الزملاء أو العملاء أو الأصدقاء، في حال توقعه لحركة خاطئة في السوق. من الناحية النفسية، من المهم أن ندرك أن الخطأ ليس عاراً، بل هو جزء لا يتجزأ من منهج إستخدام التحليل الفني في التداول، لأن التحليل الفني لم يدعي يوماً أنه دقيق بنسبة 100% ولن يدعي ذلك. وبالتالي، فيجب ان نقنع أنفسنا في داخلنا أنه إذا كان هنالك خطأ في تحليلنا، فمرد ذلك إلى أسلوب التحليل الفني الذي يعتمد على الإحتملات، وليس المؤكدات، وبالتالي فكل محلل أو متداول مهمها عظم شأنه، سيقوم بتوقعات خاطئة من حين إلى أخر. بهذه القناعة ننتصر على الأنا النرجسية في داخلنا والتي هي بكل تأكيد عائق أمام تحقيق النجاح في الأسواق المالية.
إذاً، عندما نكون على خطاً، يجب أن نعترف، ويجب أن نتراجع عن رأينا الذي لم يدعمه السلوك السعري، وبالتالي يجب الخروج من العملية بأقل خسائر ممكنة. إن عدم السماح للخسارة بالتعاظم هي أحدى أهم المهارات التي يجب أن يعمل كل متداول على إكتسابها.
هنالك مجموعة من الأرقام التي يمكنها أن تحدد أماكن الخلل لكل متداول يخسر الأموال في الفوركس، والوصول إلى أغلب هذه الأرقام سهل من خلال إصدار كشف حساب تفصيلي إذا كنت تستخد منصة تداول الميتاتريدر الشهيرة. فيما يلي بعض أهم المبادىء والأرقام المستخدمة في تقييم جودة التداول:
1. التداول الحقيقي والتداول التوضيحي: المبدأ رقم 1 عند تقييم أداء أي متداول.
مما لا غبار عليه، أن تحقيق النجاح في الحسابات الحقيقية أصعب بمراحل من تحقيقه على الحسابات التوضيحية أو التدريبية، أو ما يسمى في أوساط المتداولين خطاً بالحسابات الوهمية (كلمة Demo مشتقة من كلمة Demonstration ومعناها عرض توضيحي أو عرض عملي). والسبب الأول لذلك هو أنه في حالة الحسابات التوضيحية، تكون الميزة هي عدم تدخل المشاعر التي تتلاعب بالمتداول عندما يكون تحت ضغط خسارة أموال حقيقية. هنالك سبب أخر لذلك، هو أنه في حالة الفشل في حساب توضيحي، يمكن للمتداول فتح حساب أخر فوراً، والإستمرار في البحث عن النتائج المرغوبة، التي قد تظهر بعد 10 محاولات فاشلة، وربما أكثر.
2. عدد المراكز:
مهما كانت نتائجك جيدة أو سيئة، فإنك لن تستطيع الحكم على جودة تداولاتك بإستخدام عدد قليل من العمليات. بعض المتداولين يرسلون لي كشف حساب به 7 أو 8 عمليات، حقققوا منها الربح في الأغلبية الساحقة منها، أو أحياناُ جميعها. هذا العدد المحدود من العمليات لا يعني شيئاً، سواءاً خسرت جميع الـ 8 عمليات، أم ربحتها كلها، هذا لا يكفي للحكم على مدى إحترافية تداولاتك. أنت بحاجة إلى رقم من 3 خانات حتى تتمكن من عمل تقييم عقلاني لأسلوب تداولاتك.
3. فترة التداول:
بذات المنطق، يمكننا القول أن جميع المتداولين قادرين على تقديم كشف حساب لأسبوع رائع، ولكن كم منهم يستطيع أن يقدم كشف حساب لـ 3 أو 6 أشهر يظهر نتائج رائعة؟ نتائج الفترات القصيرة لا تصلح لإستخدامها كمعيار لتقييم مهارة متداول أو محلل.
4. نسبة العمليات الرابحة ونسبة العمليات الخاسرة: Profit Trades (% of total) + Loss trades (% of total)
يمكننا مشاهدة هاتين النسبتين في كشف الحساب التفصيلي على منصة ميتاتريدر. إن هذه النسب بحد ذاتها لا تكفي لتحقيق النتائج الجيدة، فلقد رأيت متداولين يسجلون نسبة عمليات رابحة تتجاوز الـ 80%، مقابل نسبة خسارة لا تصل إلى 20%، وكانت النتيجة الكلية لحساباتهم هي الخسارة. ورغم أننا نتمنى رفع نسبة العمليات الرابحة إلى أعلى مستوى ممكن، وتقليص نسبة العمليات الخاسرة إلى أدنى مستوى ممكن، إلا أننا يجب أن ندرك أن هذا بحد ذاته لا يعني الكثير، وأنه لا يجب أن نحاول أستهداف نسب أرباح علية جداً تتجاوز الـ90%، لانه لا يوجد حاجة لذلك حتى يكون لدينا إستراتيجية جيدة. ورغم أن نسبة 80% تعتبر معياراً ذهبياً للكثير من المتداولين، إلا أنه في بعض الأحيان تكون نسبة 65-70% كافية لتحقيق أرباح رائعة. إن تحديد مدى جودة هذا الرقم بالذات يعتمد على النقطة التالية إلى حد كبير.
5. معدل ربح العمليات الرابحة ومعدل خسارة العمليات الخاسرة: Average profit trade + Average loss trade
قد يكون هذين الرقمين هما الأكثر إهمالاً من قبل المتداولين من بين جميع الأرقام التي تقيم التداول، لانهما لا يشبعان غرور المتداول في أغلب الأحيان، والأسباب وراء ذلك واضحة. فالمتداول المبتدىء يقوم بإغلاق مركزه عند تحقيق أقل حد ممكن من الربح حتى يحول الربح العائم في السوق إلى رصيد نهائي في حسابه، وهو ما يعمل على خفض معدل الربح. في المقابل، يتم ترك العمليات الخاسرة لأكبر وقت ممكن حتى يتم اليأس التام منها، والخروج بخسائر كبيرة، وهو ما يؤدي إلى رفع معدل الخسارة إلى أضعاف معدل الربح. لو ألقينا نظرة على كشوف حسابات متداولين جدد وقليلي الخبرة في السوق، سنجد أنه وفي الكثير من الحالات، يكون معدل حجم الخسارة للعملية أكبر بما لا يقل عن 5-10 أضعاف مقارنة بمعدل الربح. فتجد أن متداولاً ما يحقق في المعدل 65 دولار من الربح لكل عملية رابحة، لكنه يخسر 450 دولار لكل عملية خاسرة في المعدل. لن ياخذ الأمر طويلاً حتى ندرك أنه في ظل هذه الأرقام، يمكن أن يسجل المتداول 8 عمليات رابحة من كل 10 وخسر فقط إثنتين، فإنه لن يحقق الأرباح، بل سيعاني من خسارة قدرها 380 دولار، في كل 10 عمليات!
وهنا، فإن ما نقترحه على المتداولين في العادة، هو إستهداف الوصول إلى معدل أرباح أعلى من معدل الخسائر، ويتم ذلك بطريقتين: الأولى هي عدم إستهداف عدد قليل من النقاط في العمليات الرابحة، والسماح للأرباح بالتطور نحو الأهداف المتوقعة، سواءاً بالصبر على هذه العمليات حتى وصولها لهذه الاهداف، أو على الأقل الإقتراب منها. الطريقة الثانية هي السيطرة على الخسارة وعدم السماح لها بتجاوز المخطط له في مستوى وقف الخسارة المحدد أصلاً. فإذا كان التحليل يشير إلى إمكانية تحقيق 50 نقطة، قد يكون من المقبول الخروج عند 30 – 35 نقطة، ولكن لا تخرج عند ربح 6 أو 7 نقاط، وإذا كان وقف الخسارة الأصلي لعمليتك 50 نقطة لا تجعله يصل 100.
يجب أن يقوم المتداول وبشكل منتظم بتفق هذين الرقمين، والإطمئنان المستمر على أنها على الأقل متساويين، أو أن معدل الأرباح أكبر، أو في أسوأ احالات أن لا يكون الفارق كبيراً إذا ما كان معدل الخسارة هو الأكبر (رغم أن هذا بحد ذاته جرس إنذار يجب الإنتباه إليه).
ورغم أن هذه النقطة بديهية ولا تحتاج إلى الإستشهاد بإقتباس أسطورة مثل جورج سوروس، إلا أنه عند مناقشتها لا يسعنا إلا أن نتذكر قوله الشهير:
It’s not whether you’re right or wrong that’s important, it’s how much money you make when you’re right and how much you lose when you’re wrong
"ليس المهم هو أذا كنت على صواب أم على خطأ، بل كم من المال تجني عندما تكون على صواب، وكم تخسر عندما تكون على خطأ". كلمات من ذهب!
6. نسبة العائد: المخاطرة بين النظرة الكلاسيكية والعصرية: Risk:Reward Ratio
في السابق كانت النصيحة المعروفة هي الدخول في العمليات التي تكون نسبة العائد للمخاطرة فيها 1:2 أو حتى 1:3، وعدم الدخول في العمليات التي تسجل نسبة عائد:مخاطرة أقل من ذلك مثل 1:1. ورغم أن هذا الكلام كان متعارفاً عليه بشكل كبير جداً في السابق، إلى درجة الإستهزاء ممن يجرؤ على إنتقاده، فإن الأمر لم يعد كذلك الأن.
مع تطور التحليل، وإستخدام الأساليب الحديثة فيه التي تميل إلى إستخدام الكمبيوتر وبرامج الكمبيوتر التي تقوم بالتداول (Algos) بشكل كبير، كان من الطبيعي أن تصل نسبة التوقعات الصحيحة إلى مستويات أعلى من السابق، وهو ما أعطى المجال للتعامل بمرونة أكبر مع فكرة نسبة العائد إلى المخاطرة.
إذا كانت إستراتيجيتك تحقق نسبة صحة تبلغ 80%، فبكل تأكيد أنت لست بحاجة إلى نسبة عائد إلى مخاطرة تبلغ 1:3 حتى تحقق الأرباح. بل أنه مع نسبة صحة في توقعاتك تبلغ هذا المستوى الرفيع، فإن نسبة 1:1 تكفيك لتحقيق أرباح طيبة.
إن العمل على تقييم تداولاتك بشكل دوري يعتبر أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لتطورك كمتداول، وبدونه ستبقى تراوح مكانك وترى السنوات تأتي وتذهب بدون أن تلحظ تطوراً في مهاراتك كمتداول أو في النتائج التي تحققها. يمكنك القيام بعملية تقييم التداول بنفسك، أو يمكنك الإستعانة بالمحترفين الذين يقومون بتقديم الخدمات المالية، والحاصلين على أحدى الشهادات العملية (وليست الأكاديمية) المتخصصة في الأسواق المالية، مثل الـ CFA أو الـ CFTe أو شهادة الـ CMT ألتي أتشرف بحملها. في كل الأحول، ينصح بشكل كبير، بالقيام بذلك بشكل دوري، وأخذ هذه المراجعة الدورية على محمل الجد.
منذر مرجي CMT
عمان - الأردن