تعيش البرازيل حفلاً ائتمانياً ـــ فخلال الأعوام الخمسة الماضية كان نمو الائتمان يسير بمعدل 2.4 ضعف الناتج المحلي الإجمالي. وتقابل ذلك معدلات تبلغ 2 و1.6 و1.2 ضعف بالنسبة إلى روسيا والهند والصين، على التوالي.
في العادة لا يعد هذا مشكلة، لأن المديونية ترتفع من مستوى منخفض ونسبة القروض إلى الناتج المحلي الإجمالي هي ''فقط'' 46 في المائة، مقارنة بدين القطاع الخاص في الولايات المتحدة الذي تبلغ نسبته 165 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن المشكلة تكمن في العبء الذي يفرضه هذا الدين على المقترضين. فرغم انخفاض التضخم إلى 6 في المائة، وهو معدل يمكن تدبره، تتقاضى البنوك في البرازيل سعر فائدة على الإقراض يبلغ في المتوسط 25 في المائة، وفي حالة الإقراض الاستهلاكي، تزيد الفائدة على 30 في المائة بكثير. وهذا يعني أن قاعدة المقترضين البرازيليين تدفع فائدة حقيقية تقارب 20 ـــ 25 في المائة، مقابل 1 ـــ 3 في المائة في معظم البلدان ـــ ما يعني أن الإقراض في البرازيل مكلف لدرجة ترقى إلى معاقبة المقترضين.
تداعيات ذلك على المستهلكين تحديداً خطيرة، إذ ارتفع عبء خدمة الدين إلى 24 في المائة من الدخل القابل للتصرف، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر مع اتخاذ أسعار الفائدة منحى صعودياً. إننا نتوقع أن يرتفع هذا العبء إلى مستوى باهظ قدره 30 في المائة عام 2012. ولوضع هذا في سياقه، لقد انفجر المستهلك الأمريكي عندما لامس عبء خدمة الدين 14 في المائة (وبمستوى حالي 12 في المائة تقريباً). وبعبارة أخرى، لدى المستهلك البرازيلي ضعفي عبء الدين من منظور التدفق النقدي، نسبة إلى المستهلك الأمريكي الذي ما زال يعد على نطاق واسع يتحمل ديناً يفوق طاقته.
إن الوضع في البرازيل يشبه على نحو مقلق أزمة عدم الملاءة التي شهدتها الولايات المتحدة، إذ تعطي البنوك قدراً كبيراً من التسهيلات الائتمانية بفوائد عالية لمستهلكين لن يكونوا قادرين في نهاية المطاف على خدمة الدين.
وبدأت تظهر على السطح إشارات تنذر بالسوء على ما أطلق عليه الاقتصادي جون كنيث جالبريث ''السلب والنهب''. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 وجد أحد البنوك الصغيرة، وهو بنك باناميريكانو، يتلاعب بالخسائر الائتمانية التي لحقت به جراء القروض الاستهلاكية ــــ وقد أعيدت رسملة البنك بين عشية وضحاها. لكن خلال العام، انخفض سعر سهم البنك بنسبة 62 في المائة وتم بيعه أخيرا إلى بنك بي تي جي باكتشوال في عملية شراء بسعر بخس، بعدما وجد البنك المركزي مزيداً من العمليات الشاذة في ممارساته المحاسبية.
وبينما توجد أوجه شبه مع الولايات المتحدة، هناك أيضاً سمات فريدة في البرازيل. ذلك أن البنية التحتية لإدارة المخاطر كانت مفقودة إلى حد كبير في مراكمة الائتمان في البرازيل، مع عدم الموافقة على ديوان للائتمان الإيجابي، بسبب مسائل تتعلق بحماية المستهلكين (ديوان الائتمان الإيجابي يشارك في التاريخ الائتماني لجميع العملاء، بينما يشارك ديوان الائتمان السلبي في المعلومات الخاصة بالعملاء الذين يعجزون عن السداد فقط، وعادة ما تأتي هذه المعلومات متأخرة جداً). ومكن هذا المقترضين من بناء خطوط ائتمان متعددة من دون علم المقرض، خاصة أن معظم القروض ''غير مؤمنة'' ولا توجد أية ضمانة إضافية.
إن البرازيل في هذه الدائرة من وجهة نظر مالية بسبب حالات الخلل الموجودة في النظام المالي. فنسبة تكاليف التشغيل إلى الموجودات في النظام المصرفي البرازيلي هي نسبة مذهلة تبلغ 4.2 في المائة، مقارنة بـ 1.1 في المائة و1.6 في المائة للبنوك الصينية والهندية، على التوالي. قاعدة التكلفة العالية هذه تبقي تكلفة الائتمان مرتفعة بشكل غير عادي.
من وجهة نظر واسعة النطاق، فإن تدني معدل الادخار وارتفاع العملة إلى أعلى من قيمتها الحقيقية يضغطان على معدلات النمو وعلى المركز التنافسي للاقتصاد ـــ من هنا تأتي عملية دفع المديونية في النظام من أجل دعم معدلات النمو بحيث تنسجم مع نظيراتها في بلدان مجموعة بريك. لكن الحقيقة هي أن بلداناً مثل الصين والهند كانت أكثر نجاحاً في دفع معدلات النمو السريع، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بمعدلات ادخار عالية وعملات أكثر قدرة على المنافسة. والمسألة بالنسبة إلى البرازيل هي أنها في حاجة إلى إعادة توازن باتجاه معدلات ادخار واستثمار أعلى.
وتاريخ البرازيل مشوب بأحداث تتعلق بالضعف في الحسابات الخارجية، وارتفاع التضخم، وخفض سعر صرف العملة ـــ فحتى عهد يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، واجهت البرازيل مجموعة مشابهة من القضايا التي تسببت في انخفاض نسبته 65 في المائة في أسواق الأسهم البرازيلية بين نهاية عام 1997 ونهاية عام 2002 ـ مقوماً بالدولارات الأمريكية.
لقد تعززت عملية صنع السياسات في البرازيل كثيراً خلال العقد الماضي وتمت مكافأة البلد على ذلك من قبل أسواق السندات. لكن البرازيل ستكون بحاجة إلى بعض المهارة في صنع السياسات، إذا ما أرادت أن تتدبر فقاعة الائتمان الحالية فيها من دون أن تفقد السيطرة. إن أي تباطؤ في الاقتصاد وما يرتبط بذلك من ارتفاع في معدلات البطالة، يمكن أن يتسبب في حدوث أزمة سيولة تفرض نفسها مع إخراج الائتمان من النظام.
وسيكون من المهم أن يقوم المستثمرون العالميون بمراقبة هذا الاقتصاد. فقد كانت الأسواق المالية البرازيلية من كبار المستفيدين من انكماش التجارة العالمية، لكن من سوء حظ البرازيل أن الارتفاعات في المعدلات العالمية للفائدة على حساب ضغوط تضخمية أعم جاءت في الوقت الخطأ بالنسبة للاقتصاد.
بول مارشال، كبير مسؤولي الاستثمار في مارشال ويس وأحد المديرين لصندوق يوريكا. وشارك في كتابة المقال أميت راجبال، مدير المحافظ في الصناديق المالية العالمية التابعة لمارشال ويس.