أسعار النفط المرتفعة، والأسهم المتراجعة، والهروب إلى أصول الذهب خلال الأسبوع الماضي تحمل شواهد على تأرجح واضح في سيكولوجية السوق من الجشع إلى الخوف. وبعد مزيد من الثورات الحميدة في تونس ومصر، فإن ضراوة جهود معمر القذافي للتمسك بالسلطة جاءت بمثابة تذكير قوي بالأزمات السابقة. ومن حرب السويس عام 1956 إلى حرب الخليج الثانية، أظهرت أسواق النفط قدرة رائعة على الضرر باقتصاد العالم. وعلى الرغم من أن الأسواق هدأت قليلاً بحلول يوم الجمعة، إلا أن طيف التضخم المصحوب بركود ـــ بموازاة أزمة النفط خلال سبعينيات القرن الماضي ـــ ما زال يحوم في الأفق على نحو لا يدعو إلى الراحة بشكل كبير. إن ليبيا ليست هي المشكلة. وإذا كانت التقارير بأن 60 في المائة من إنتاج البلاد تم إيقافه، صحيحة، فهذا يعني فقدان 1.1 في المائة فقط من إمدادات النفط العالمية. ولن تواجه المملكة العربية السعودية، المنتج القوي في سوق النفط، صعوبة في تعويض هذا النقص. وبالنسبة إلى البلدان الأخرى الواقعة على خط النار فهي ليست ذات أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي. ويضاهي حجم الناتج الإجمالي المحلي لكل من الجزائر، والبحرين، ومصر، وإيران، والأردن، وليبيا، وتونس، واليمن مجتمعة، والبالغ 1000 مليار دولار، حجم الناتج الإجمالي المحلي للمكسيك فقط. ويتمحور خوف السوق برمته من انتقال العدوى. وتتمثل المخاطر، حسبما يقول ستيفن كينج، كبير الاقتصاديين في إتش إس بي سي، في أنه إذا امتدت الثورات إلى بلدان أخرى منتجة للنفط فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من تعطيل الإمدادات، وربما لن تكون السعودية قادرة على تقديم أي تعويض في هذا الصدد.
ويأتي الارتفاع في أسعار الطاقة في وقت صعب بالنسبة للعالم المتقدم الذي يشهد تعافيا اقتصاديا ضعيفا وهشا. ويشابه التأثير المبدئي لارتفاع الأسعار فرض ضريبة على الاستهلاك. ولأن عددا من البلدان المنتجة للنفط غير قادر على إنفاق العوائد بالكامل، فإن الطلب العالمي مقيد بناءً على ذلك. وفي الوقت ذاته، يعاني السكان في البلدان المستهلكة فقدان الدخل الحقيقي، بينما يتعين على قطاع العمل التأقلم مع التكاليف المرتفعة وعدم اليقين المتزايد. وفي العالم المتقدم تشمل السياسة المالية قطاعات متباعدة للغاية، بحيث إن عدداً قليلاً من الحكومات في مركز يمكنه من تعويض التراجع في الدخول بإجراء تخفيضات على الضرائب. ومصدر القلق الجدي هو أن ثقة قطاع العمل التي كانت قوية بشكل متزايد في أمريكا الشمالية وأوروبا ستتلقى ضربة، وبالتالي تمنع القطاع الخاص من تولي زمام القيادة من القطاع العام لدفع هذه الاقتصادات. ويكمن في ذلك الطريق انكماش مزدوج. في غضون ذلك، فإن مؤهلات السياسة النقدية الواهية لمحاربة التضخم ستتعرض إلى مزيد من الانكشاف بسبب معدلات التضخم الرئيسية الأعلى. ومنذ انهيار ليمان براذرز عام 2008، كانت السياسة النقدية للعالم المتقدم تهدف إلى محاربة الانكماش. ومع ذلك، فإن المحافظة على سياسة متراخية في الوقت الذي يرتفع فيه التضخم إلى مستويات مزعجة تفضي إلى مشاكل معقدة. وحتى الآن كان هناك إجماع واسع في البلدان المتقدمة على أن البنوك المركزية يجب أن تنظر بتمعن في ارتفاع المؤشرات التضخمية الفورية، على الأقل لأن أسعار الفائدة المرتفعة ستقلل النمو الاقتصادي دون أن تفعل شيئاً لمعالجة التغيرات في الأسعار النسبية للنفط والسلع. ومع ذلك ثمة قلق متنامٍ بأن هذا التضخم ربما يتغذى على الأجور، الأمر الذي من شأنه أن يستدعي علاجاً قوياً للسياسة. وتبدو الحجة لفرض أسعار فائدة أعلى في الولايات المتحدة ـــ البلد المهم للغاية لمستقبل آفاق النمو العالمي ـــ ضعيفة. وأحدث التعافي حتى الآن تحسناً هامشياً فقط في معدل البطالة، بينما يشير أحدث البيانات بشأن الأجور إلى الحد الأدنى من الضغوط التضخمية. والفرق في العائد بين سندات الخزانة الأمريكية التقليدية لمدة عشر سنوات والسندات المرتبطة بمؤشر بالاستحقاق ذاته، وهو مقياس معياري للتوقعات التضخمية، تغير قليلاً خلال الأشهر الأخيرة. والأمر الذي يسبب مزيدا من المشاكل هو الوضع في أوروبا، وفي المملكة المتحدة على وجه الخصوص، حيث الجهود لإعادة توازن الاقتصاد بعيداً عن الاستهلاك وباتجاه النمو الذي تقوده الصادرات استتبعت رفع ضريبة القيمة المضافة، وسمحت بتخفيض قيمة الاسترليني. وتزامن تأثير هذه التدابير في التضخم مع ارتفاع أسعار السلع، بحيث إن التضخم في مؤشر أسعار المستهلك كان يزداد بضعف هدف بنك إنجلترا المتمثل في نحو 2 في المائة. وأدى هذا إلى تبادل سخيف للخطابات بشكل متزايد بين ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، وجورج أوزبورن، وزير مالية المملكة المتحدة، لم يذكر فيها الطرفان أي شيء عن هدف التضخم. وتلاشت صدقية لجنة السياسة النقدية الخاصة بالبنك بشكل متزايد بسبب سجل التوقعات الكئيب. ووفقاً لريتشارد جيفري، من كازنوف كابيتال مانجمينت، فإن 18 من أصل 20 مجموعة من التوقعات من أول ربع في عام 2004، والربع الأخير من عام 2008، تظهر أن توقعات لجنة السياسة النقدية لعامين من التضخم كانت أدنى من النتيجة النهائية. ويقول: ''هذا يشير إلى أن لجنة السياسة النقدية كانت تحدد أسعار الفائدة بناء على معطيات خاطئة مفادها أن الضغوط التضخمية كانت أقل بدرجة كبيرة مما عليه الحال في الواقع''. ويشارك في وجهة النظر هذه أندرو سنتانس، من لجنة السياسة النقدية، الذي انضم إليه الآن مارتن ويلي وسبنسر دالي في الدعوة إلى زيادة أسعار الفائدة. ويعترف معظم الأعضاء الباقين، رغم تشككهم، بأنهم قلقون. في اقتصادات الأسواق الناشئة تضغط مشكلة التضخم بطريقة مختلفة. ففي البلدان التي ترتبط أسعار عملاتها بالدولار، مثلما في الصين، يتم استيراد السياسة النقدية المتراخية من الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، الاقتصادات هناك أكثر اعتماداً على الطاقة، مقارنة بالغرب، بينما تشكل تكاليف الغذاء عنصراً أكبر بكثير من ميزانية العائلة. وهناك كثير من البلدان التي ترفع فعلياً أسعار الفائدة. والأنباء الجيدة في كل هذا هي أن الاقتصاد الأمريكي كان يبدي في الآونة الأخيرة إشارات على مرونة أكبر، بينما تبقى اقتصادات الأسواق الناشئة قوية نسبياً. ومن المحتمل تماماً أن أسعار النفط والسلع تبالغ في رد فعلها على الأحداث. وإذا ثبت أن الجيشان في شمالي إفريقيا والشرق الأوسط ليس معدياً، فسيستعيد المستثمرون شهيتهم للإقدام على المخاطر. لكن لأن العدوى، كما يقول دونالد رامسفيلد ''معلوم مجهول''، فإن العجز عن توقعها يصبح متأصلا. ولا يمكن استبعاد مزيد من المفاجآت السيئة من سوق النفط.