التوتر السياسي الذي يجتاح دولاً في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا أصبح مقلق جداً، حيث أن المتداولين و المتابعين للاقتصاد الدولي يخشون الأسوأ من هذه الأزمات و يخشون امتداداها أكثر نحو دول أخرى منتجة للنفط. ارتفع سعر برميل النفط ليلامس مستويات فوق 100.00 دولار للبرميل الواحد.
بيانات التضخم التي تصدر من العديد من الدولي تشير إلى احتمال ارتفاع واضح فيه، فمن أوروبا شهدنا بيانات يوم أمس أشارت إلى أن مستوى التضخم قد ارتفع إلى 2.4% خلال الشهر الماضي بحسب مؤشر تقديرات مؤشر سعر المستهلك، و كذلك نرى بأن مستوى البطالة في أوروبا قد انخفض قليلاً إلى مستوى 9.9% مما يشجّع أن يتجه البنك المركزي الأوروبي يوم غد لإظهار اتجاه نحو رقابة التضخم. رفع أسعار الفائدة حالياً قد يكون خياراً خطراً في ظل الضعف في النمو الاقتصادي الدولي، فبريطانيا تشهد ضغوطاً سلبية على النمو و انكمش الاقتصاد الملكي خلال الربع الرابع الماضي، لكن مستويات التضخم ارتفعت بشكل كبير وصولاً إلى مستوى 4.0%، و هذا ما يقلق المتداولين فعلاً و بذلك شهدنا موجة هابطة لمؤشرات الأسهم يوم أمس مع ارتفاع سعر برميل النفط الذي قد يسبب مزيداً من الارتفاع في مستويات التضخم.
مخاوف ارتفاع التضخم إيجابية بالنسبة للمعادن الثمينة، و كذلك القلق تجاه الضعف الاقتصادي إيجابي للمعادن الثمينة. فطلب المعادن الثمينة يتم لمواجهة مخاطر التضخم و كذلك كملاذ آمن من احتمالات ضعف الاقتصاد و تباطؤه أكثر بل و عودة العديد من الدول إلى الركود مجدداً. الأزمات السياسية و ارتفاع سعر برميل النفط أسباب أخرى قد تكون سبباً لدفع المتداولين نحو طلب الملاذ الآمن، و بالتأكيد شهدنا يوم أمس اتجاهاً نحو أسواق المعادن الثمينة لتكون بيت المتداولين الآمن في ظل الاضطرابات الاقتصادية في العالم التي يصاحبها اضطرابات سياسية في مناطق متعددة في العالم.
شهدنا يوم أمس الحكومة الإيرانية تقمع المتظاهرين ضد النظام، و كذلك نرى الظروف المضطربة السياسية في كل من عُمان و البحرين بل و ملامح اضطرابات سياسية أخرى تظهر هنا و هناك. مصر و تونس لم يحصلا بعد على ثقة الاقتصاديين بمقارنة متغيرات استقرارهما السياسي و لا يجب أن ننسى ليبيا التي أصبحت تقلق العالم بأسره تجاه احتمالات توقّف تدفق النفط منها تماماً و عدم تنازل القذافي عن منصبه بل و اتجاهه نحو التهديد باستخدام القوّة. كل هذا و كيف لا ترتفع المعادن الثمينة ! نحن في حالة عدم استقرار اقتصادي تشمل العالم كله و التركيز الآن على احتمالات ارتفاع التضخم في وقت ما زال فيه الاقتصاد الدولي عاجزاً عن النمو دون دعمه !
خلال تداولات يوم أمس في نيويورك، ارتفع سعر الذهب محققاً سعراً قياسياً جديداً عند مستوى 1435.20 دولار للأونصة الواحدة، و أغلق قريباً عند هذا المستوى مكتسباً 1.56% خلال الجلسة عندما أغلق بسعر 1433.20 دولار للأونصة. جلسة لندن شهدت أيضاً اتجاهاً صاعداً للذهب فأغلق الذهب عند مستوى 1420.75 بارتفاع من مستوى 1414.50 دولار للأونصة في السعر المثبّت.
بالنسبة لسعر الفضة، فقد استمر الاندفاع الهائل في الفضة ليلامس الأعلى له يوم أمس عند مستوى 34.74 دولار للأونصة الواحدة خلال تداولات نيويورك و أغلق عند سعر 34.69 دولار للأونصة بارتفاع مقداره 2.09% و هذه المستويات التي تحققت يوم أمس هي الأعلى لسعر الفضة منذ 31 عاماً مضت. البلاتين شارك في الارتفاع، بل كان ارتفاع البلاتين يزيد عن ما شهده كل من سعر الذهب و الفضة و أغلق سعر البلاتين عند مستوى 1841.00 دولار و اكتسب 2.68% بذلك الإغلاق في نيويورك.
بيانات مبيعات السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية أشارت إلى ارتفاع أكبر من المتوقع، حيث تم بيع 10.22 مليون أداة نقل خلال شهر شباط الماضي. إن هذا يدعم بشكل كبير البلاتين الذي يستخدم في صناعة السيارات. كذلك الأمر، بيانات مؤشر معهد التزويد الصناعي الأمريكي أشارت إلى ارتفاع أكبر من المتوقع في أداء قطاع التصنيع عندما أظهرت ارتفاعاً من مستوى 60.8 إلى مستوى 61.4 نقطة.
فعلاً نجد أنفسنا أمام حالة غريبة! فالنمو الذي يظهر تسارعاً في الولايات المتحدة الأمريكية يقابله تباطؤ اقتصاديات عديدة أخرى، و نرى بأن مستويات التضخم مقلقة في الكثير من دول العالم فيما في الولايات المتحدة الأمريكية نرى بأن التوقعات تشير إلى احتمال أن يكون التضخم داخل المستويات التي يمكن التحكّم بها و قبولها بالنسبة للفيدرالي الأمريكي. الظروف السياسية التي تمتد في الدول المنتجة للنفط حتى وصلت إلى ألجيريا أيضاً تزيد القلق من انخفاض تزويد النفط و هذا يعني ارتفاع أسعاره أكثر و هذا يؤثر سلباً على النمو و يفجّر مستويات التضخم.
حقائق تدل جميعا إلى أن الظروف لو استمرت على هذا النحو قد نبقى في اتجاه صاعد على المعادن الثمينة، و حتى لو نظرنا إلى الاتجاه الهابط الذي تداولت فيه أسعار المعادن الثمينة هذا اليوم، إلا أن هذا الاتجاه الهابط اعتبر قليلاً جداً مقارنة في الارتفاع الذي حصل يوم أمس و ملاحظتنا بأن الانخفاض الأكبر كان من نصيب الفضة يعطي انطباعاً بأن ما حصل اليوم في أسواق المعادن الثمينة خلال الجلسة الآسيوية عبارة عن جني أرباح من قبل مضاربين و ليس تغيّراً في الاتجاه للمعادن الثمينة.
يتداول سعر الذهب اليوم حول مستوى 1429.30 دولار للأونصة منخفضاً بمقدار 0.27% عن إغلاق نيويورك، فيما نرى سعر الفضة يتداول بانخفاض مقداره 0.46% عند مستوى 34.53 و البلاتين فقد 0.43% ليتداول في هذه اللحظات عند مستوى 1833.00 دولار للأونصة. هذه الأسعار كما هي في تمام الساعة 02:00 صباحاً بتوقيت نيويورك و نرى بأن محصلة تداولات هذا اليوم و يوم أمس هي اتجاه صاعد ليستمر الذهب و الفضة في اتجاههما الصاعد للأسبوع الخامس على التوالي للذهب و السادس على التوالي للفضة.