لا تترك وظيفتك سعيًا وراء شغفك أبدًا
في مقال لموقع «Quartz»، تحدثت جانيل كوبيين التي تعمل مصممة جرافيك عن ترك الوظائف الروتينية والسعي وراء الشغف. كانت نظرتها إلى الأمر مختلفة تمامًا عما تجده في الكتب والمحاضرات التحفيزية عن ضرورة أن تعمل ما تحبّه فقط، وأن تسعى وراء شغفك، إذ ترى كاتبة المقال أنه لا يجب عليك ترك وظيفتك ما لم تكن مضطرًا لذلك، أو ما لم تكن واثقًا من استطاعتك توفير نفقاتك. كتبت جانيل كوبيين عن تجربتها في تركها وظيفتها واتجاهها إلى العمل الحر فتقول:
منذ عامين، تركت وظيفتي التي عملت فيها بدوام كامل والتي كان لها راتب ثابت ومميزات أخرى، لأعمل كمصممة جرافيك بشكل مستقل. كانت ردود الفعل التي تلقّيتها متشابهة إلى حدٍ كبير، إذ أبدى الناس إعجابهم بهذه الخطوة، فجاءتني رسائل تقول «أنتِ شجاعة جدًا»، و«إنه لشيء عظيم أن تسعين وراء شغفِك»، و«أتمنى أن أعمل بشكل مستقل، وألا يكون لدي رئيس عمل».
في البداية، لم أكن أفكر في الأمر. حدثت أشياء شخصية أخرى في ذلك الوقت أثّرت على قراري بترك وظيفتي التي كانت بدوام كامل. وعندما قرأت العديد من قصص النجاح على الإنترنت عن أشخاص تركوا وظيفتهم وبدأوا عملهم الخاص، بدأت في تقبّل الأمر، والتفكير فيه.
بالرغم من شعوري بالتعاطف مع قصص رواد الأعمال الشباب، إلا أنني أشعر بالقلق والخوف كل يوم بسبب عدم استقراري، وأتساءل إلى متى يمكنني الاستمرار في هذا الطريق. لكني أشعر بالسعادة لأنني أقوم بما أحبّه ولسعيي وراء شغفي، لذلك أتشجع للاستمرار في ذلك. لكن الاستقلال في العمل هو أمر قاسٍ جدًا، فإذا انحرفت الأمور عن مسارها، لن تجد من تلومه سوى نفسك.
ما يزعجني هو وصفنا لذلك بالشجاعة. في الواقع، أنا لست أكثر شجاعة من عامل مهاجر يعمل في جني الفاكهة ليرسل الأموال إلى أسرته، ولا من شاب حديث التخرّج يعمل تسع ساعات يوميًا ليسدد قروض الدراسة، ولا من أمٍ تعمل ثلاث وظائف من أجل إطعام أبنائها.
دائمًا ما نُشيد بكل من لديه الشجاعة لترك وظيفته الروتينية ليسير في طريق أكثر إمتاعًا، ونُعظّم من شأن فكرة أن تكون مستقلًا في عملك، ونشجّع المخاطرة التي نظن أنها ستأتي بمنافع كثيرة. لكننا لا أحد يتحدث عن الاستمرار في هذا النمط وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلاله.
إن ترك وظيفتك للسعي وراء شغفك هو محض هراء، ولا يعود بالنفع سوى على من لديه بعض الامتيازات، لا على الطبقة العاملة. العبارة نفسها تدل على أنها موجّهة لمن يحظون بامتيازات، إذ أنها تقر بأنك لديك وظيفة بدوام كامل بالأساس، وأن لديك وقتًا لأن يكون لديك شغف يمكنك الاعتماد عليه لتوفير نفقات معيشتك.
من واقع تجربتي الشخصية، لم أقم بترك وظيفتي التي كانت بدوام كامل وراتب ثابت ومميزات أخرى من أجل أن أكون شجاعة وأن أسعى وراء شغفي. لم أترك وظيفتي بشكل عفوي، ولم أقم «بوثبة إيمانية كبرى». لقد تركت وظيفتي لأنني واجهت مسؤوليات صعبة جديدة في حياتي الشخصية تطلبت مِنّي جهدًا أكبر عقليًا وعاطفيًا. لقد استقلت لأنني شعرت بالاكتئاب، ولأنني لم أستطع الاستمرار في قضاء 40 دقيقة يوميًا في الذهاب إلى العمل، أو في العمل من التاسعة صباحًا إلى العاشرة مساءً. استقلت لأنني كان لدي عملًا حرًا أستطيع الاعتماد عليه، ليس لأنني أردت العمل الحر. لقد استغرق اتخاذ قرار تَركي للعمل سبعة شهور من التفكير اليومي.
لحسن حظّي، لم يكن عليّ سداد قروض دراسية، كما أنني كنت قد سددت جميع القروض الأخرى عندما كنت أعمل بدوام كامل. كنت محظوظة لأن زوجي كان يعمل بدوام كامل. هذه العوامل هي التي مكّنتني من ترك وظيفتي. لقد كانت السبب وراء تَركي وظيفتي أنني لدي مسؤوليات تجاه عائلتي.
لا أريد كتابة قصص كاذبة عن تَركي وظيفتي لشجاعتي في السعي وراء شغفي. لا أريد أن يشعر من يعمل في وظيفة روتينية مستقرة بأن استمراره بها أمر سخيف، أو يشعر بأنه مخطئ إذا كان يستمتع بها. لا يجب على أي أحد – ولا يستطيع أي أحد – أن يترك وظيفته أملًا في العثور على السعادة. الشغف يمكن أن يكون دافعًا لك، لكن لا يمكنه توفير نفقاتك دائمًا.
لا أقول بأن أفراد الطبقة العاملة لا يمكنهم أن يصبحوا أصحاب مشاريع ناجحة، إنما أذكُر أن السبب الحقيقي وراء نجاح من تركوا عملهم هو امتلاكهم لامتيازات لا يمتلكها غيرهم.