°¨¨™¤¦الهند و معاناتها مع الفقر¦¤™¨¨°
يتعذر على نيوديلهي عاصمة الهند أن تقوم بالإجابة على أحد أهم الأسئلة التي تواجهها: كيف يتم معرفة عدد الفقراء إذا ما لم يكن للفقر تعريفاً محدداً؟
المناظرات حول إعادة تعريف خط الفقر هي أحد المواضيع التي تناولتها العديد من الأبحاث الأكاديمية و الدراسات الميدانية و النماذج الرياضية و قد تبدو غامضة بعض الشيء لكنها تحمل العديد من التبعات.
و في أحد الصيغ التي وضعتها أحد الهيئات المكلفة من قبل الحكومة الهندية نرى أن 30% من عدد سكان الهند البالغ 1.2 مليار نسمة تم تصنيفهم تحت فئة الفقراء و هو ما يمثل ارتفاعاً بمقدار 94 مليون نسمة عما كانت عليه النسبة في السابق (22%).
و من الواضح من خلال الخلافات التي دارات في العقود السابقة من أجل تحديد تعريف واضح لخط الفقر أنه هناك شيئاً ما لا يمكن تحديده كمقدار أو كمية في تعريف الفقر – فهو شيء يمكننا تحديده و لكن لا يمكننا قياسه بدقة مثله كمثل الخير و الشر.
و لكن لابد من ابتكار تعريف واضح للفقر في للهند التي تعاني من انتشار سوء التغذية و ارتفاع حالات الوفاة عند المواليد الجدد بالرغم من النمو الاقتصادي فيها. و في زمن النمو السريع الذي تشهده الهند، تُطرح العديد من التساؤلات حول ما يتوجب على الدولة فعله تجاه السكان الأكثر فقراً و حول مدى عدالة توزيع الفوائد العائدة من هذا التقدم الاقتصادي.
خط الفقر الأكثر شهرة حالياُ هو عتبة الـ $1.25 في اليوم الواحد و هو ما وضعه بنك العالم World Bank كمتوسط لقيمة خط الفقر في أكثر دول العالم فقراً. و تبين أحد تقارير الأمم المتحدة التي صدرت مؤخراً أن نسبة سكان العالم التي تعيش تحت عتبة خط الفقر قد قلت إلى النصف ما بين عامي 1990 و 2010. و قد بلغ عدد الأفراد الذين يعيشون في وضع الفقر المدقع حوالي 1.2 مليار شخص في العالم، ثلثهم تقريباً في الهند.
عتبة خط الفقر التي حددها بنك العالم هي مجرد مقياس و لا تعني بأي شكل من الأشكال أنها تحدد المقدار اللازم من المال لتجنب حالات الفقر المدقع في أي من دول العالم. كما يدعي بعض الاقتصاديين أن عتبة خط الفقر التي وضعها بنك العالم غير واقعية و حتى لو تم تحقيقها سيظل هناك نوعاً من الفقر المدقع.
و في عام 1963 تم تعريف خط الفقر في الولايات المتحدة لأول مرة على أنه المبلغ الأدنى الذي يمكن أن تصرفه عائلة مكونة من أربع أفراد على الطعام. ثم تمت مضاعفة هذا المبلغ ثلاثة مرات لأن البيانات أظهرت أن ثلث الدخل العائلي بعد الضرائب كان مخصصاً للطعام في الغالب. و نتيجة لذلك، بلغ المجموع الكلي $3،165 في السنة الواحدة ($3،000 بعد التقريب). و بغض النظر عن التغيرات السنوية الناتجة عن التضخم Inflation لم يتغير هذا الخط منذ ذلك الحين.
و قد انتقد الاقتصاديون عتبة خط الفقر في الولايات المتحدة بقولهم أنها تعسفية و تنطوي على مفارقة تاريخية أي أنها لا تعكس الفترة الزمنية للوضع الاقتصادي الحالي. و قد قامت دائرة الإحصاء بإصدار مقياس إضافي للفقر في عام 2011 بعد أن قام المحافظ السابق لمدينة نيويورك بعقد لجنة و بين فيها أن خطوط الفقر الثابتة عبر التاريخ لم تعد تمثل مقياساً مناسباً الوضع الحقيقي الحالي للعائلات المحتاجة.
و في الهند فإن مستويات المعيشة قد تغيرت بشكل ملحوظ خلال العشرين سنة الفائتة أكثر من تغير مستويات المعيشة في الولايات المتحدة خلال المئة عام الفائتة، و مع ذلك فلا زالت حاجات الملايين غير محققة.
و قد ذكر أحد الاقتصاديين الهنود أن الفروقات الموجودة في الهند، غير موجودة في أي مكان آخر من العالم، و في المجتمعات الديمقراطية لا بد من التطرق لمثل هذه التساؤلات، و بالفعل فإن هذا ما تقوم به عتبات خط الفقر.
و قد تم إبراز تغييرين رئيسين في نسخة شهر حزيران / يونيو من هذا التقرير الذي كلفت الحكومة الهندية بإعداده لكنها لم تقم بتصديقه في آخر الأمر. فباستخدام الأبحاث الطبية المتقدمة، أظهر التقرير المتطلبات الدنيا من البروتين و الدهون في وجبات الأفراد بالإضافة إلى الحد الأدنى لعدد السعرات الحرارية Calories الواجب توافرها في كل وجبة غذائية.
و بالإضافة إلى تكلفة الطعام، تقوم الصيغة الجديدة من التقرير بإظهار الوسيط Median الحسابي للمصاريف الشهرية لأربع حاجات أساسية و هي التعليم و الكساء و المأوى و المواصلات، من خلال استبيان قامت به الحكومة مع 100،000 أسرة. و قد تم إضافة مبلغ صغير لباقي المصاريف المحتملة.
النتيجة تبين أنك تكون فقيراً في الهند لو كنت تكسب أقل من 972 روبية في الشهر الواحد في المناطق القروية أو 1،407 روبية في الشهر الواحد في المدن. و بمقارنة ذلك بأسعار سوق صرف العملات السائدة نجد أن ذلك يساوي $16 و $23 على التوالي في حين أن العتبات الحالية تساوي كل من $14 و $17 على التوالي.
تصل هذه القيم في الهند أبعد مما تصل إليه في الولايات المتحدة، ولكن حتى في المناطق النائية الريفية في الهند، أن تصل هذه القيم لأعلى من ذلك لا يعني أن البؤس غير متواجد فيها. و في عام 2011، طلبت المحكمة العليا في الهند من الحكومة أن تعيد النظر في منهجيتها لأن مثل هذه الدراسات كانت تستخدم لتحديد الأهلية للحصول على استحقاقات معينة حيث أن هناك بعض الأفراد الذين يعيشون على أقل من 30 سنتاً في اليوم الواحد في الهند.
و تقوم مثل هذه التقارير على توضيح احتياجات العائلات الفقيرة. و يبين أحد الخبراء الاقتصاديين في الهند أن الحكومات تقوم بتحديد خطوط الفقر لتقدير التكلفة اللازمة لسد الفجوة بين الفقراء و الأغنياء و مساعدة الحكومات على وضع السياسات المختلفة.