عندما يتأخر التنظيم بخطوات عن التطور التكنولوجي
لم يعد خافياً مدى سرعة التطور التكنولوجي وتأثيره على حياتنا اليومية، وبخاصة في القطاع المالي. يقود القطاع الخاص عادةً عملية الابتكار التقني فيما يكون القطاع العام مسئول بشكل رئيسي عن السيطرة والرقابة والتشريع استناداً إلى التغيرات الجارية التي تنشأ مع تطور الصناعة.
حققت منصات التداول الاجتماعي، البرمجيات المساعدة، مجتمعات المتداولين، ومواقع التداول الاجتماعي نجاحاً كبيراً خلال الآونة الأخيرة، بينما يتواصل التطور التقني على قدم وساق في تلك الشريحة الهامة من السوق. السؤال الذي لا مفر منه يتعلق بمدى جاهزية وقدرة الهيئات التنظيمية على التعامل مع ما تفرضه هذه الابتكارات من تحديات متنوعة؟ هل سمعنا عن قيام منظمي الأسواق المالية بإصدار مجموعة واضحة من القواعد لرقابة وتنظيم هذه الأشكال المختلفة من أنشطة التداول الاجتماعي؟ أنا شخصياً لست متأكداً من ذلك ….
سوق الخيارات الثنائية هو أيضاً مثال جيد على هذا الأمر. حيث حقق نمواً كبيراً خلال السنوات الخمسة الماضية بينما لا يزال الجدل دائراً حول ما إذا كان منتج مالي أم يندرج تحت طائفة منتجات الألعاب والمقامرة، وفي هذا الصدد تتخذ الهيئات التنظيمية مواقف مختلفة. من الواضح أن لهذا التباين تأثيره على السوق ذاته، خصوصاً في ظل استمرار التطور التقني داخل سوق الخيارات الثنائية، حيث تخرج شركات التكنولوجيا كل يوم بأدوات مبتكرة ومدهشة لتمييز عروضها أمام منافسيها.
أحد هذه الابتكارات الواضحة في صناعة الخيارات الثنائية هو ما المتعلق بإدارة الأموال. كيف ستتمكن الهيئات التنظيمية من التعامل مع تحديات تنظيم ومراقبة هذه الأنشطة فيما لا يزال الكثيرون يتجادلون حول جوهر العمل في حد ذاته؟
في إحدى الحالات التي واجهناها في شركتنا للاستشارات قبل نحو شهر، كان يتعين علينا تحليل وتقييم ما إذا كانت شركة استثمارية معينة تتداول نيابةً عن العملاء، (أو ما يعرف بإدارة الأموال – وهو ما يتطلب نوع معين من الترخيص والتصاريح والرسملة، وما إلى ذلك) أم كانوا بصدد إدارة إحدى صناديق الاستثمار (والذي يتطلب بنية مختلفة تماماً). لقد دُهشت لرؤية كيف تمكنت التكنولوجيا من طمس هذه الهوة بين المجالين، حيث يمكنك أن تميل إلى إحدى الجانبين وسيتوفر لديك حجج قوية للدفاع عن رأيك في كلا الحالتين.
قد تكون من المبالغة أن نطلب من هيئات التنظيم أن تجاري بسرعة أكبر تلك التطورات التكنولوجية في الأسواق المالية. ولكن البقاء على إطلاع وثيق بأخر المستجدات سوف يجلب المزيد من الوضوح والشفافية وحماية العملاء والجمهور، وهو الهدف النهائي لأي جهة تنظيمية. سيتعين تقليل هذه الهوة وإلا سنظل نواجه محاولات الغش والتلاعب من جانب الشركات المحتالة وهو ما سيعرض السوق إلى أضرار واسعة ويُضعف من ثقة المستثمرين ما سيؤدي إلى تباطؤ نمو السوق بشكل عام.