الدولار يسحق العملات، مستفيداً من تشاؤم المتداولين
أعلن السيد تريشيه إطلاق ضوء الخطر الأحمر في تصريحه عندما تحدّث عن أزمة الديون الأوروبية و تأثيرها العميق المحتمل على الوضع المالي للاتحاد الأوروبي عامةً و كذلك على النمو في الاقتصاد، حيث أشار تريشيه إلى ضرورة إيجاد حلول حقيقية للأزمة في ظل توقعات استمرار الضغوط على الاقتصاد فيما مستويات التضخم تشهد ضغوطاً متصاعدة.
أظهرت البيانات الاقتصادية الأوروبية اليوم تجسّداً لمخاوف تريشيه، فالنشاطات الاقتصادية آخذة في التباطؤ، و هذا ما ظهر على مؤشرات مدراء المشتريات اليوم من أوروبا و ألمانيا، حيث أظهر مؤشر مدراء المشتريات الصناعي الألماني انخفاضاً حاداً أكبر كثيراً من التوقعات أودى به إلى مستوى 54.9 نقطة، فيما مؤشر الاتحاد الأوروبي انخفض إلى مستوى 52.0. بالنسبة لمؤشر مدراء المشتريات لقطاع الخدمات، فقد انخفض إلى مستوى 54.2 و مؤشر مدراء المشتريات المركّب انخفض إلى 53.6 و هذه قيم تؤكد التباطؤ الاقتصادي.
من جهة أخرى، تصريحات برنانكيه يوم أمس كانت مقلقة، فالاقتصاد الأمريكي أصبح متوقعاً له أن يشهد تباطؤاً أكثر عمقاً مما كان متوقعاً في وقت سابق، و نرى بأن الفيدرالي بالرغم من احتفاظه في سعر الفائدة الأدنى تاريخياً، إلا أن الفيدرالي بدأ يقلق من ارتفاع مستويات التضخم و لا يتجّه لاتخاذ خطوة تخفيف كمي ثالثة.
لو نظرنا إلى مؤشرات الأسهم الأوروبية، فسوف نجدها تتداول في سلبية واضحة هذا اليوم، و هذا تبع الأداء السلبي لإجمالي أداء مؤشرات الأسهم الآسيوية. فالتشاؤم عاد ليسود الأسواق المالية مجدداً، و احتمالات التباطؤ الاقتصادي العميق و مخاطر أزمة الديون الأوروبية أصبحت أكثر وضوحاً. و بذلك، حصلت عمليات جني أرباح واسعة و حالة من تجنّب المخاطرة و انخفاض الشهية الاستثمارية.
سحق الدولار الأمريكي اليورو بارتفاعه مقابل سلّة العملات الأجنبية، لكن لا يجب إهمال حقيقة انخفاض سعر صرف اليورو أيضاً مقابل سلّة العملات الأجنبية، مما سبب انخفاضاً حاداً في سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي هذا اليوم أفقد اليورو كل مكاسب الأسبوع. انخفض سعر صرف اليورو هذا اليوم بعد ملامسته للأعلى عند 1.4337 ليلامس بعدها الأدنى عند 1.4209، و في هذه اللحظات نرى الزوج يتداول قريباً من مستوياته الأدنى لهذا اليوم بين مستوى الدعم الأقرب 1.4205 و المقاومة 1.4260. إن استمرار تداول سعر صرف اليورو ما دون مستويات 1.4365 و 1.4325 قد يكون دافعاً لاستمرار الاتجاه الهابط لاختبار مستويات الدعم الأكثر أهمية 1.4155، فيما العودة للتداول فوق مستويات المقاومة المشار لها، هي الوحيدة القادرة على إعادة العزم الصاعد فنياً على الزوج.
كان محضر اجتماع البنك البريطاني يوم أمس بمثابة القاصمة للجنيه الإسترليني، حيث انخفض سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي لليوم الثاني على التوالي بعد أن اتجه ستّة أعضاء تجاه الحفاظ على سعر الفائدة عند المستوى المتدني تاريخياً. هذا اليوم، انخفض سعر صرف الجنيه الإسترليني من الأعلى عند 1.6067 و لامس الأدنى عند سعر 1.5973 دولار للجنيه الإسترليني الواحد. إن تداولات الزوج هذه سببت كسراً لمستوى الدعم 1.6000 و الذي يعتبر حاجزاً نفسياً كذلك، و التداول ما دون هذا المستوى قد يكون سبباً لمزيد من الضغوط السلبية لاختبار مستوى 1.5955 دولار للجنيه الإسترليني الواحد.
صب التشاؤم في الأسواق المالية لصالح الدولار الأمريكي، فحتّى الين الياباني هذا اليوم لم يكن قادراً على اكتساب العزم الصاعد مقابل الدولار رغم أن الين استطاع تحقيق المكاسب على العديد من العملات الأجنبية الأخرى. استطاع الدولار الأمريكي هذا اليوم أن يرتفع مقابل الين الياباني من مستوى 79.99 ليلامس الأعلى عند مستوى 80.64 ين للدولار الأمريكي الواحد، وكما نرى، فحالة التشاؤم و استمرارها في الأسواق المالية تنعكس إيجاباً على الدولار الأمريكي بشكل كبير، خصوصاً بعد أن نفى الفيدرالي الأمريكي اتجاهه نحو سياسة تخفي كمي ثالثة و أشار إلى أن موعد انتهاء سياسة التخفيف الكمي الثانية كما هو في هذا الشهر.
بحسب التحليل الفني، فالدولار الأمريكي يحاول الآن الاتجاه نحو مستوى المقاومة 80.75، فهذه المقاومة سوف تكون فاصلة للدولار الأمريكي و سبباً لتحديد الاتجاه اللحظي لبقية تداولات هذا اليوم. إن الفشل في اختراق هذا المستوى قد يكون دافعاً لانخفاض الدولار الأمريكي، إلا أن اختراق هذا المستوى قد يفتح المجال للدولار للاتجاه نحو محاولة اختبار مستوى المقاومة التالي عند 80.95 ين للدولار الأمريكي الواحد.
يبدو أننا أمام يوم آخر من التشاؤم، فالبيانات الاقتصادية أغلبها يميل للسلبية مؤكدّة تباطؤ واضح في أرجاء الاقتصاد الدولي، فحتى الصين، فقد شهدت انخفاضاً في أداء قطاع التصنيع بحسب مؤشر مدراء المشتريات للقطاع من بنك HSBC، فقد أظهرت هذه القراءة لتوقعات أداء القطاع قيمة 50.1ـ، و هذا الرقم يدل أن القطاع بالكاد استطاع أن يحقق نمواً خلال هذا الشهر، مما يهدد فعلاً في احتمال انكماش قادم على القطاع. من الولايات المتحدة، نرى تصريحات برنانكيه السلبية عن توقعاته للاقتصاد، و في أوروبا أزمة الديون و مخاطر التباطؤ الاقتصادي الحاد و مخاطر الوقوع في أزمة في القطاع المالي في المنطقة، و من بريطانيا مشكلة انخفاض النمو و ارتفاع التضخم، و هكذا تعيش العديد من الدول في العالم.
التشاؤم يكسب الدولار الأمريكي قوّة، و نحن اليوم في أول أيام قمّة صانعي القرار الأوروبيين في بروكسل، و نرجو أن نرى أي تصريح أو اتجاه لتخفيض مقدار التشاؤم في الأسواق المالية، و عدم ظهور أي إشارة إيجابية، قد يكون دافعاً لاستمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي وسط طلب الدولار كملاذ آمن و عملة تصفية مراكز مالية في الأسواق.
ننبه أيضاً إلى ضرورة متابعة بيانات أسواق المنازل الأمريكية اليوم و التي تشير توقعاتها إلى احتمال بعض الانكماش في مبيعات المنازل الجديدة بمقدار 4.0%، و كذلك هنالك بيانات بلومبرغ لراحة المستهلكين التي تعتبر أحد معايير الثقة، و كل هذا المزيج المنتظر من البيانات، يجب أن لا يكون سبباً لإزاحة رقابتنا عن أي مستجدات أوروبية بخصوص أزمة الديون.