أعطى ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، تقديراً مذهلاً في خطاب ألقاه في نيوكاسل في 21 كانون الثاني (يناير). قال إن الأجور في المملكة المتحدة خلال عام 2011 ''من المحتمل ألا ترتفع أكثر مما كانت عليه عام 2005''. وتابع: ''على المرء أن يعود إلى عشرينيات القرن الماضي ليكتشف وقتاً هبطت خلاله الأجور الفعلية خلال فترة ست سنوات''.
مع ذلك كانت الأسواق المالية، وأولئك الذين يعلقون عليها، مهووسين للغاية بالتضخم، بحيث لم يتلق هذا التصريح الاهتمام الذي يستحقه، وتمت مناقشته عموماً في سياق تجاوز البنك لأهداف التضخم التعسة. وفي واقع الأمر الوضع من عدة طرق أسوأ بكثير مما أشار إليه المحافظ. فقد ارتفعت الأجور الفعلية في حقيقة الأمر خلال الأعوام من 2005 إلى 2008. والتداعيات هي أنها ستهبط كثيراً خلال الأعوام من 2009 إلى 2011 بحيث تلغي الزيادة الأولى، وأكثر من ذلك بقليل.
كما أن مؤشرات الأجور لا تكشف عن القصة بأكملها. فهي تغطي فقط الأشخاص المحظوظين بما يكفي ممن وجدوا عملا. وارتفع معدل البطالة من 4.8 في المائة عام 2005 إلى 7.9 في المائة في نهاية العام الماضي. ومن بعض النواحي وبشكل أكثر أهمية، انخفض معدل التشغيل من 74.7 في المائة عام 2005 إلى 70.5 في المائة. وكي نكون عادلين، حدث تدهور سوق العمالة هذا كله تقريباً قبل تغيير الحكومة.
ما الذي حدث ليكون الشح أشبه ما يكون قياسياً في مستويات المعيشة؟ وهل تعرضت البلاد إلى ضربة سونامي؟ وهل كان عليها أن تحتشد لحرب؟ وبإمكانك أن تلوم المصرفيين إذا أردت – لكن ما هو بالضبط خط الوصل بين سوء أفعالهم والشح في الأجور الفعلية؟ ذكر المحافظ ثلاثة مجرمين في خطابه. أحدهم الارتفاع في أسعار الطاقة العالمية، بما فيها النفط والغاز، التي قدر أنها أضافت 4 – 5 في المائة إلى أسعار المستهلك. وثانياً، كان هناك ارتفاع في أسعار الواردات الأخرى التي أضافت نسبة 6 في المائة أخرى. ويعفي المحافظ تراجع قيمة الاسترليني خلال عامي 2007 – 2008 بنسبة 20 ـ 25 في المائة من المسؤولية، ويقول إنه تم امتصاص آثار ذلك إلى حد كبير. وبدلاً من ذلك، يلوم الزيادات في نطاق عريض من أسعار السلع، مثل المعادن الأساسية، والقمح، والقطن. وثالثاً، كانت هناك زيادات في ضريبة القيمة المضافة والتي ''من المحتمل أن ترفع من مستوى الأسعار بنسبة 1.5 في المائة''.
ربما يعتبر المرء، في ظل مزاج لطيف، أن الزيادات في أسعار الطاقة والواردات مجرد ضغوط خارجية مستنبطة مباشرة، أو غير مباشرة، من نهضة الاقتصادات الناشئة وطلبها على الموارد العالمية. لكن لماذا زيادة العبء برفع ضريبة القيمة المضافة؟ إن هذا بمثابة ابتلاء ذاتي سببه الهوس بتوازن الميزانية.
إلى أين نمضي من هنا؟ لا تقع على عاتقنا مسؤولية توقع المستقبل. وما زال التوقع الذي يحدد بوضوح منطقه الاقتصادي والحسابي هو التوقع الصادر عن المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية. ويظهر هذا التوقع أن الدخل الشخصي الفعلي المعد للإنفاق سيبدأ في الارتفاع مجدداً بدءا من عام 2012 وحتى عام 2015 بنحو 2 ـ 2.5 في المائة سنوياً. ولا يتوقع حدوث تغيير كبير في اتجاه العوائد الاسمية، لكن يتوقع زوال جانب كبير من ذلك بسبب الزيادات في الأسعار. ويعتمد التوقع بأكمله على الزيادة المفترضة في الناتج المحلي الإجمالي.
وحين ينظر المرء إلى التركيبة المفترضة لعناصر النفقات في الناتج المحلي الإجمالي تساوره الشكوك. ولا يتوقع أن يأتي أي شيء من ''النفقات الاستهلاكية النهائية'' – أي من الأسر والحكومة معاً. ويتوقع أن يأتي النمو كله تقريباً من زيادة الصادرات من حيث الحجم بنحو 6 في المائة سنوياً، مقارنة بارتفاع الواردات بنحو نصف تلك النسبة. وإضافة إلى ذلك هناك زيادة متواضعة متوقعة في إجمالي الاستثمار الثابت. فهل يحدث كل هذا على حساب سلسلة من مزيد من تخفيضات قيمة الاسترليني؟ على النقيض من ذلك من المتوقع حدوث تعافٍ متواضع في قيمة الاسترليني في غضون السنوات القليلة المقبلة. وعلى أية حال، فمن المغري أن نقول ''إن أي شخص يؤمن بهذا المزيج سيؤمن بأي شيء''، وأخشى أنني أصبحت شخصاً متشائماً بشأن التشاؤم بحد ذاته. وحتى على أساس التوقع المتفائل نسبياً الذي صدر عن المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، فمن غير المتوقع أن يهبط معدل البطالة إلى أدنى من 6 ـ 6.5 في المائة بحلول منتصف العقد بعد الارتفاع إلى الذروة البالغة 8.7 في المائة هذا العام.
بالنسبة إليّ شخصياً الجزء الأكثر تشويقاً في مراجعة المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية يشير إلى أن ''أسواق العمالة قادرة على استيعاب الزيادات في إمداد العمالة، مثلما شاهدنا ما حصل في الزيادة في مخزون المهاجرين بعد عام 1997''. لكنها بحاجة إلى بعض المساعدة، مثلا، سياسات لتقليل معدل البطالة بين الشباب. وفوق كل شيء يجب أن تكون هناك آفاق لزيادة الطلب. وإذا تم تنفيذ السياسات لرفع معدل سن التقاعد، وتم إعلانها بوضوح، فمن ''المستحيل، بناءً عليه، أن يدرك المستهلكون الذين يتطلعون قدماً إلى أنهم بحاجة إلى الادخار على نحو أقل. ومن شأن ذلك أن يزيد الطلب، وكذلك الأمر رد الشركات التي تتطلع قدماً التي ستدرك أنها بحاجة إلى شطب رأسمال أقل''. لكن لا تحبس أنفاسك وأنت تتوقع حدوث أي شيء مثل هذا.