أزمة الدين الأوروبية أو أزمة اليورو هي واحدة من حلقات أزمة الدولار أو الأزمة المالية العالمية التي بدأت بانهيار ليمان برذرز في سبتمبر/أيلول 2009 وكان أصلها فقاعة سوق العقارات بالولايات المتحدة في نهاية 2007.
حلقات من الأزمات اتصلت ببعضها بعد سنوات من الطفرة تضخم فيها الائتمان في أوروبا وشجع الحكومات على الاقتراض ليصل إلى حدود تهدد بإفلاسها وانهيار منطقة اليورو، التي تمثل أمل أوروبا في اكتمال وحدة نقدية للقارة تقود في حال نجاحها إلى وحدة سياسية.
شبح الإفلاس
الخوف من إفلاس الحكومات وانسحاب دول من منطقة اليورو -التي يبلغ عدد أعضائها 17 وتستخدم العملة الأوروبية الموحدة منذ 1999- ينذر باضطراب في الأسواق وذعر للمستثمرين وصدمة للقطاع المصرفي الذي قد يواجه احتمالات انهيار العديد من البنوك، مثلما حدث بالولايات المتحدة في خضم الأزمة.
سعت أوروبا من خلال خطط إنقاذ إلى مساعدة دول ضعيفة في منطقة اليورو مثل إيرلندا والبرتغال واليونان وسارعت إلى إنشاء صندوق إنقاذ اختلفت بشأنه أكبر اقتصادات أوروبا.
وظهرت الخلافات في السياسات المالية جلية بين الاقتصادات الأقوى في الاتحاد الأوروبي عندما اقترحت فرنسا وألمانيا تقديم مائتي مليار يورو لصندوق النقد الدولي لزيادة موارده من أجل مساعدة الدول المحتاجة من بين دول منطقة اليورو.
لكن بريطانيا اعترضت مما خفض المبلغ إلى 150 مليار يورو وسط انتقادات قوية من فرنسا وبريطانيا.
وتأمل الدول الأوروبية في مساعدات دولية لكن وضع الدول الصناعية الكبرى الأخرى مثل الولايات المتحدة واليابان ليس أفضل بكثير. فمن غير المتوقع أن تزيد واشنطن مساهمتها في صندوق النقد الدولي في وقت تعاني فيه الحكومة من أكثر من 15 تريليون دولار من الدين العام ومن عجز كبير في الموازنة، بينما يزيد دين الحكومة اليابانية عن 200% من الناتج المحلي الإجمالي ويذهب ربع اعتمادات الموازنة أو 51.8% من عائدات الضرائب الحكومية لخدمة الدين.
أما الصين -صاحبة أكبر احتياطي نقدي في العالم- فإن ما لديها لإقراضه لأوروبا ضئيل بالمقارنة بأزمة الدين الضخمة التي تعاني منها أوروبا.
فضخامة الأزمة زادت من صعوبة الحل وتهدد بارتدادات في الاقتصاد العالمي بسبب أهمية الاقتصاد الأوروبي.
فحجم دين الحكومة الإيطالية يصل إلى نحو 121% من الناتج المحلي الإجمالي بينما يصل في اليونان إلى 165% وفي إيرلندا إلى 109%.
وبالنسبة لأكبر اقتصادين بمنطقة اليورو ألمانيا وفرنسا استطاعت الحكومتان السيطرة على الدين في حدود يمكن التعامل معها، لكن الأزمة قد تمتد بسرعة لتنتشر في الاقتصادات الأخرى بمنطقة اليورو.
ومع وضوح حجم الأزمة تزداد الأمور تعقيدا مع إحجام المستثمرين عن شراء السندات الحكومية حيث أصبحوا ينأون عن الاستثمار في أماكن يكون من الصعب استردادها. ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستستطيع الحكومات بسيولة ضعيفة وحجم دين ضخم حل المشكلة.
من المسؤول؟
يلقي كثيرون المسؤولية على الدول ذات المديونية العالية بسبب الإسراف في الاقتراض شجعها في ذلك هبوط سعر الفائدة. لكن هذا القول لا ينطبق على كل الدول إذ إنه لا يمكن اتهام كل دولة تعاني من عجز ضخم بالتهور والإسراف في الاقتراض.
ويلقي البعض باللوم على العملة الأوروبية الموحدة ويستشهدون بأن العملة التي يستخدمها 17 اقتصادا مختلفا هي في أصل الخطأ.
فالبنك المركزي لدولة واحدة يستطيع أن يضبط المعروض النقدي لزيادة أو ضبط النمو الاقتصادي في حال الأزمات. لكن الدول التي ترتبط بالعملة الواحدة في منطقة اليورو تفتقر إلى هذا الخيار.
فقد زاد تحديد البنك المركزي الأوروبي لسعر فائدة منخفض على اليورو خلال السنوات الماضية شهية دولة مثل إسبانيا على الاقتراض لكن لم يكن الحال كذلك بالنسبة لاقتصاد قوي مثل ألمانيا.
ولم يكن لأزمة اليونان أن تجر بقية دول منطقة اليورو إلا لاستخدام العملة الموحدة, ولو كانت الدول الضعيفة الأخرى تستخدم عملاتها لكان من الأيسر تخطي أزماتها من خلال سياساتها المنفردة وزيادة صادراتها عن طريق خفض سعر صرف عملاتها. لكن بالطريقة الحالية يصعب تطبيق مثل هذه السياسة.
تفشي الأزمة
وكما هو الحال في سرعة تفشي الأزمة في منطقة اليورو بسبب الوحدة النقدية فإن العلاقة الوطيدة التي تربط الصناعة المالية الحديثة مسؤولة بدرجة كبيرة عن انتقال الأزمة لدول أخرى في العالم.
فالولايات المتحدة -الاقتصاد الأكبر- ستتأثر بطرق مباشرة بسبب تعرض بنوكها للقروض الأوروبية. كما ستتأثر تجارتها حيث تذهب 14% من صادراتها إلى منطقة اليورو، في حين أنها بحاجة لإنعاش اقتصادها الضعيف الذي لا يزال يترنح تحت آثار أزمة 2008 و2009.
والسرعة التي تنتقل بها الأزمة الأوروبية لا تبشر بخير في نهاية 2011 ومع بداية 2012 رغم أن منطقة اليورو وضعت قواعد مالية للحد من العجوزات التي تعاني منها الدول الأعضاء لكي تستطيع تصحيح موازناتها. وسيجتمع زعماء منطقة اليورو في 30 يناير/كانون الثاني القادم من أجل مناقشة الاتفاق المالي الجديد.
وهكذا تسعى الدول الأوروبية جاهدة من أجل تصحيح أوضاعها المالية وإرضاء المستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني التي خفضت تصنيفات العديد من الدول الأوروبية وتهدد بفعل المزيد في الأشهر القادمة.
ومع كل الإجراءات لا يبدو أن هناك حلا ناجعا سوف ينقذ أوروبا من تداعيات أكبر لأزمتها المالية.
ويرى المتشككون أن أوروبا لن تستطيع الوصول إلى حل عملي لضبط ماليات الدول المختلفة بسبب تاريخ من الاختلاف بشأن السياسات المالية.
ومن المتوقع أن تظل الأمور على حافة الهاوية حتى إذا تقدمت أوروبا نحو الوصول إلى حل وذلك بسبب أن التعاملات بين المؤسسات المالية وبعضها البعض مبنية في الأساس على الثقة والصدق وهناك ما يكفي من الشكوك والاتهامات المتبادلة بشأن أسباب الأزمة.
وتتعهد الحكومات بخفض عجوزاتها وإظهار حسن نية في تطبيق القواعد المالية الجديدة لمنطقة اليورو عن طريق خفض الإنفاق. لكن ذلك من الناحية الأخرى يزيد من الأزمة المعيشية التي يعانيها المواطن الأوروبي مما يزيد أيضا من صعوبة دفع الاقتصاد الكلي الذي يعاني.
لكن في الوقت الذي لا يمكن فيه الجزم بأن الانهيار حتمي، يجب الانتظار إلى العام القادم لمعرفة كيف ستستطيع أوروبا تطبيق إجراءاتها المالية الجديدة للخروج من أزمتها