هل نودع رمضان أم يودعنا ؟
اقتضت حكمة الله تعالى ومشيئته أن لكل شيء بداية ... لا بد له من نهاية. ها هو رمضان قد أوشك على الرحيل وإن لكل مقيم في هذه الدنيا ارتحالاً، ولكل موجود زوالاً ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان انتهى أو أوشك على الانتهاء ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وإن رب رمضان هو رب شوال وشعبان وبقية الأشهر .
ماذا تعلمنا من الدورة الرمضانية:
الدورة الرمضانية ليست هي الدورة الإعلامية البرامجيه التي تعدها وسائل الإعلام والاتصال بشهر رمضان، فهذه الدورة الإعلامية لا تعنينا، ولا تتفق مع عظمة شهر رمضان، ولا تحقق الحكمة من الصيام، ولا تقرب المستمعين والمشاهدين لها إلى الله.
فوسائل الإعلام – من تلفاز وإذاعة وصحافة وفضائيات – تستنفر جهدها وكوادرها لتقديم المسلسلات والمسرحيات والأغاني والكوميديات، لسرقة أوقات وحسنات وطاعات وأخلاق المتابعين لها.
الذي أقصده من كلمة "الدورة الرمضانية "
هو حالة الاستفزاز الإيماني والعبادي التي يعلنها الصائمون والصائمات حيث يعيشون حياة خاصة في العبادة والطاعة ويرتقون فيها إلى مستويات متقدمة ويرتفع مستوى الإيمان والالتزام عندهم ويزداد رصيدهم من الخيرات والحسنات والطاعات.
ما أريد أن أقوله ونحن نودع شهر رمضان المبارك هو أن يقف كل منا مع نفسه متأملاً فاحصاً ومتفكراً متذكراً ومراجعاً دارساً وهو خارج من هذه الدورة الإيمانية العبادية.
إن كل من التحق بدورة يحدد الهدف من التحاقه فيها، ويكون له برنامج خاص دقيق يلتزم به أثناءها، وبعد ذلك يعمل دراسة وتقويماً لهذه الدورة ليعرف ماذا استفاد منها، وأين أخفق فيها وماذا أضافت له من علم ومعرفة وقيم وسلوك.
أدعوهم إلى استخلاص دروس ضرورية منها، واستنتاج دلالات وعبر هامة، وتسجيلها والتركيز عليها لتعميقها في كيانهم بعد شهر رمضان ويمكن أن أذكر بعض هذه الدروس الضرورية، لنستمر في تذكرها واستحضارها وأدائها:
- تعلمنا في مدرسة رمضان : أهمية المجاهدة والاجتهاد حيث نجاهد أنفسنا لتستقيم وتثبت على طاعة الله وتقبل على النوافل، وتبتعد عن الحرام ونجتهد في إحسان العمل والاتصال بالله.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : أهمية استغلال الوقت وحسن برمجته والتخطيط له وقضاء ساعاته ودقائقه في ما يفيد وينفع.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : أهمية ضبط الحواس وتوجيهها ومراقبة عملها وأدائها: السمع والبصر واللسان واليد والرجل والبطن والفرج والفكر والنفس وضرورة الانضباط السلوكي الاجتماعي والتعامل مع الآخرين بالحلم والاناة وسعة الصدر وحسن الخلق.
- تعلمنا في مدرسة رمضان: لذة الحياة في ظلال القرآن والاستمتاع بالحياة مع القرآن والسعادة بقضاء الساعات في تلاوته وحفظه وتدبره.
- تعلمنا في مدرسة رمضان: فضل ارتياد المساجد وأهمية صلاة الجماعة فيها، وأثر صلاة الفجر فيها بالذات ليكون هذا برنامجاً لنا بعد شهر رمضان.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : فضل الاستيقاظ وقت السحر ، وأداء صلاة التهجد، ولذة الذكر والتضرع والاستغفار بالأسحار.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : فضل العلم والتعلم بما سمعناه من الدروس والعظات، وما تلقيناه من العلماء والدعاة، والمربين والمرشدين.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : الارتباط الوثيق بين الإسلام والقرآن والجهاد، وأصالة ومكانة الجهاد والمواجهة في ديننا للوقوف أمام الأعداء الطامعين فينا.
- تعلمنا في مدرسة رمضان : أن نستعلي على ضعفنا وكسلنا وتراخينا، ونصبر على جراحنا وآلامنا، ونتخلى عن إحباطنا ويأسنا، ونتحول إلى الأمل واليقين والإيجابية والثبات، والثقة بأن المستقبل لهذا الدين والهزيمة لليهود والكافرين.
فهل ننسى هذه الدروس الضرورية بعد انتهاء هذه الدورة الرمضانية؟ وهل نتخلى عن هذه المكاسب التي جنيناها من رمضان؟ لا أظن أن بصيراً متوسماً يفعل ذلك!!.
من ذاق طعم الإيمان وحلاوة العبادة لا يرجع عنه بعد رمضان .
هذه بعض المعاني الإيمانية التي عشناها ينبغي أن نحافظ عليها ولا نتركها
نسأل الله تعالى أن يعود علينا رمضان في السنة القادمة والمسلمون بدينهم متمسكون وبشرع الله عاملون ولكتابه حافظون