فقد لاحظ المراقبون لأوضاع الاستثمار في المملكة وبخاصة تلك الاستثمارات المتعلقة بالأسواق المالية، ان نسبا مقدرة من المستثمرين بدأت تتجه للتعامل مع سوق العملات العالمية برغم ما يعتري هذا السوق من مخاطر جمة ما فتئ الاقتصاديون يحذرون من التعامل فيه دون معلومات كافية بكل تفاصيله ودقائقه.
وسوق العملات أو (الفوركس) كما يتداول المستثمرون هو عبارة عن سوق تتم المضاربة فيه في صورة شراء وبيع للعملات الأساسية في العالم مثل الين الياباني JPY، والجنيه الإسترليني GBP، والفرنك السويسري CHF، واليورو EURO.. وذلك في مقابل الدولار الأمريكي بمعنى أنه يتم شراء وبيع تلك العملات بالدولار الأمريكي أو العملات الأخرى فيما بينها مما يعرف بالتقاطعات أي عملة مقابل عملة أخرى في القيمة.
وتعتبر سوق تداول العملات الأجنبية من أكبر أسواق العالم وأكثرها مضاربة وسيولة، ويقدم معظم السماسرة على تداول (اليورو) و(الدولار) الأمريكي، وهو أكثر (زوج) عملات متداول ومتاجر به، تليهما العملات الرئيسية الأخرى.
وتعطي المضاربة في العملات للمستثمرين ميزة الاستثمار دون عمولات كبيرة ودونما جهد كبير كما يحدث في الأسهم، كما ان من أهم ما يميز هذا السوق صعوبة التحكم فيه من قبل جهة من الجهات، فسوق الأسهم على سبيل المثال يمكن لأية مجموعة من المستثمرين ان يشكلوا (لوبيات) معينة ويعملون على السيطرة في أسعار الأسهم هبوطا أو صعودا بينما يتعذر ذلك بالنسبة لأسواق العملات حيث يكون التعامل فيها مشرعا أمام الجميع مع صعوبة في الالتقاء لأية مجموعة، فهو يتكون من شبكة عالمية هائلة تربط بكل بساطة عددا هائلا من تجار العملات في العالم أجمع، ذلك إضافة إلى ان هذا السوق به ساعات وأيام عمل ممتدة أكثر بكثير من الأسواق المالية الأخرى المشابهة.
وتنشط في سوق العملات عدة جهات في صدارتها البنوك العالمية (التجارية)، البنوك المركزية، الصناديق الاستثمارية، الأشخاص المستقلون بجانب عملاء (وسطاء) تجارة العملات المنتشرين في جميع أنحاء العالم.
وكانت سوق العملات في فترات سابقة تعتبر كـ "نادي" للبنوك والشركات والمؤسسات الكبيرة, لكن مع سماح شركات الوساطة للأفراد بالاستثمار بمبالغ تتراوح بين 300 دولار و500 دولار وانتشار الانترنت, أصبح من السهل على الأفراد دخول هذا المجال، وبمرور السنوات بات الأفراد هم الأكثر عددا في سوق تجارة العملات.
وتتعامل بورصة العملات بنظام الهامش الذي يمكن المستثمر من مضاعفة القوة الشرائية إلى أكثر من 100 مثل, فإذا وضع الشخص 1000 دولار يمكنه شراء عملات قيمتها 100 ألف دولار, وهو أمر يمكنه من تحقيق أرباح كبيرة أو خسائر كبيرة أيضا.
وبرغم ان الاتجاه إلى تجارة العملات تزايد بعد الخسائر المتلاحقة التي بدأت تجدها أسواق الأسهم في منطقة الخليج والسعودية بشكل خاص، إلا ان العديد من المستثمرين في هذا السوق إضافة إلى اقتصاديين ومحللين ماليين يرون ان المخاطر التي تواجه المستثمرين في هذا السوق هي اكبر بكثير من الذي يمكن مواجهته في أسواق الأسهم، حيث ان حجم المغامرة في سوق العملات كما يقول هؤلاء هو اكبر من الاستثمار في الأسهم، حيث تعتبر المعلومات في سوق الأسهم إلى حد كبير متوافرة بالمقارنة مع هذا السوق الذي تغيب فيه الجهة التي يمكن ان تعتبر (مرجعية) فيما يتعلق بالمعلومات والشفافية.
ويبلغ حجم التداول في بورصات العملات العالمية نحو 1.9 تريليون دولار يوميا, لكن يصعب التكهن بحجم التداول للمستثمرين الخليجيين أو السعوديين لأنه لا توجد بورصة مركزية تشمل كل الصفقات، لكن التقديرات تشير إلى أن تعاملاتهم تقدر بنحو 10 مليارات دولار شهريا.
فيما يقدر عدد المستثمرين الخليجيين الأفراد بأسواق العملات العالمية بما يتراوح بين 10آلاف و12 ألف شخص بالإضافة إلى المؤسسات الاستثمارية التي تنشط في هذا القطاع، و كان من المتوقع ان يزيد العدد بعد انهيار أسواق الأسهم الخليجية عام 2006، وهذا حدث بالفعل لكن السيولة التي يجري ضخها انخفضت بعض الشيء، لكن هذه الآمال عاودت مرة أخرى مع الأزمة المالية ووقوع معظم أسواق الخليج تحت وطأة الخسائر المتتالية.
خالد مدخلي احد العاملين في شركات الوساطة السعودية ولديه خبرات في مجال التعامل مع سوق العملات، أكد في تصريحات خاصة بأن سوق العملات هو الأخطر بالنسبة للمتداول الذي يجهل أسس التعامل في هذا السوق، وان الكثير من المستثمرين الأفراد يندفعون إلى التعامل في هذا السوق ويحققون أرباحا جيدة في بداية التعامل غير أنهم سريعا ما يتكبدون خسائر فادحة قد تلحق بكامل رأسمالهم بمرور الوقت نظرا لعدم امتلاكهم للخبرات اللازمة أو المعرفة العلمية الضرورية لممارسة هذا النوع من النشاط الاستثماري.
ورأى مدخلي ان سوق العملات ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة للمستثمر المبتدئ لكنه في المقابل يحقق أرباحا جيدة بالنسبة للمستثمر الملم بخفايا هذا السوق ومتى يشتري ومتى يبيع بجانب كيفية الخروج الآمن من السوق نهائيا، في حال استدعى الحال ذلك.
وأشار إلى ان عدد المستثمرين الأفراد السعوديين في هذا السوق شهد زيادات كبيرة في السنوات الأخيرة مع انتشار التقنيات المصرفية التي تعتبر الأساس بالنسبة لتجارة العملات حيث يتم اغلب التعامل عن طريق الانترنت والتقنيات الحديثة الأخرى، كما ان انهيار الثقة في سوق الأسهم دفع بالكثير من المستثمرين بالاتجاه إلى تجارة العملات في محاولة لتعويض الخسائر التي لحقت بهم هناك. مشيرا إلى أن اتجاه المضاربين لأسواق العملات قد يطول في حال استمرار تراجع سوق الأسهم السعودية، كما حدث خلال الأشهر الماضية.
ويشير الاقتصادي خالد مدخلي إلى ان وجود اختلافات واسعة بين سوقي الأسهم والعملات في صدارتها تمدد ساعات التداول بالنسبة لسوق العملات، وسهولة المتاجرة بالعملات حيث أنها قليلة العدد بالمقارنة مع الأسهم، فالعملات الرئيسية لا تزيد عن 6 عملات، فيما هناك نحو 128 شركة مدرجة في البورصة السعودية على سبيل المثال، مما يربك المتعامل أحيانا فيلجأ إلى سبل مختلفة غير مأمونة الجانب لتحديد وجهة عمله، برغم أن التجارة بالعملات الأجنبية تعتمد بشكل دقيق على المؤشرات الفنية ما لم تكن هنالك عوامل أخرى خارجية تؤثر على الأسعار.
في السياق ذاته قال المستثمر نواف الشمري "إن سوق العملات الأجنبية أكثر خطورة من أسواق المال الأخرى"، مؤكدا أن المضارب الذي لا يجيد قراءة المؤشرات الفنية قد يفقد الكثير من مدخراته المالية بسبب المضاربات الحادة في السوق.
وأوضح أن المضاربة على مدى 24 ساعة أحد أكثر الأدوات جذبا للكثير من المضاربين اللحظيين، مشيرا إلى أن سوق العملة يحتاج إلى متابعة مشددة للأحداث الدولية.
وذكر مستثمر سعودي في سوق العملات العالمية انه يستثمر في هذا السوق منذ سنوات طويلة ولم يدخل شأن الكثيرين بعد تراجعات البورصات الخليجية والمحلية، ورأى ان سوق العملات يفتح مجالا واسعا لتحقيق الأرباح بيد انه كذلك معرض للخسائر الكبيرة في حال لم يتخذ المستثمر الاحتياطات اللازمة، مؤكدا في حديثه ان سوق العملات شهد تزايدا واضحا في إعداد الداخلين فيه من السعوديين خلال السنوات التي تلت خسائر 2006 متوقعا ان ينقل الكثيرون استثماراتهم إلى هذا السوق في العام الجديد 2009 خاصة إذا استمرت الخسائر على ما هي عليه الآن، مؤكدا أن تجارة العملات عبر الانترنت تحقق انتشارا واسعا في المنطقة، وتزاول المؤسسات المالية والمصرفية في العالم والمنطقة هذه التجارة ولو من دون الإعلان عن ذلك رسميا. واعتبر أن أسواق العملات أو ما يسمى تجارة الأموال تشكل فرصة حقيقية أمام جميع الناس من مختلف المجتمعات والشرائح ، لتعزيز أرباحهم واستثمار أموالهم بسهولة ومرونة، توفرها لهم شبكة الانترنت خلال ساعات اليوم من دون انقطاع، لاتخاذ القرارات المناسبة وإجراء التداول الفوري ومراقبة أخبار الأسواق والتفاعل مع الأحداث في كل العالم من دون أن يترتب عمولة إضافية على المتداولين للوسيط.
وفي سؤال للمحلل المالي في سوق الأسهم السعودية طارق البسام ما إذا كانت سوق العملات تتجاوب سلبا أو إيجابا مع سوق الأسهم، أكد ان التفاعل بين السوقين يكاد يكون منعدم فيما يتعلق بنشاط احدهما على حساب الآخر أو نشاطهما سويا بتأثير عوامل متشابهة، لكن يتأثر سوق العملات بالأسهم من ناحية دخول مستثمرين جدد كلما زاد نطاق الخسائر في أسواق الأسهم، فالوقت الحالي –يقول البسام- يعتبر مثاليا بالنسبة لأسواق العملات حيث تمنى جميع البورصات الخليجية والعربية والعالمية بخسائر كبيرة، تسهل على الكثيرين اتخاذ قرار مفارقة أسواق الأسهم بشكل نهائي تجاه استثمارات جديدة أو قطاعات لم تكن ذات شهرة من قبل مثل أسواق العملات.
واعتبر البسام ان أسواق العملات هي أسواق اعتيادية خلقتها التقنية وسهلت انتشارها في الآونة الأخيرة، وأكد ان هذا السوق يتأثر بالتقنية بشكل كبير وهو ما حدث خلال السنوات الماضية حيث استطاع هذا السوق استقطاب مجموعات كبيرة من المستثمرين بعد انتشار التقنية ووسائل الاتصالات.
ونفى المحلل السعودي ان يكون سوق العملات هو سوق (نخبوي) لا يجيد التعامل معه إلا القلة من الناس، وارجع مثل هذه الآراء إلى عدم اهتمام الإعلام الاقتصادي بتغطية نشاطات تجارة العملات بالإضافة إلى ارتباط هذا السوق بالتقنية مما يجعل قاعدته هي في الأساس الذين لديهم خبرات في التعامل مع الانترنت والتقنية، وتوقع ان تقبل شريحة كبيرة من الشباب السعودي والخليجي لتجارة العملات في الفترات المقبلة.
وعزا النمو الحالي في تجارة العملات عبر الانترنت إلى سهولة هذه التجارة وتوافرها لتكون في متناول جميع الأشخاص من كل الفئات والمستويات، وعدم وجود إجراءات معقدة لتحول الشخص إلى مستثمر في العملات.