°¨¨™¤¦التيسيير الكمى ... شرح مفصل ومتكامل¦¤™¨¨°
قامَ الاحتياطيّ الفيدراليّ الاميركي و بنك إنغلاند ( المصرفُ المركزيّ في بريطانيا ) باستخدامِ سياسةِ التّيسيرِ الكمّي عدّةَ مرّاتٍ لمواجهةِ الأزماتِ الماليّةِ، حيثُ أنّ الولاياتِ المتّحدةَ استخدمت هذهِ الأداةَ ثلاثَ مرّاتٍ QE1 QE2 QE3، فيما يُحظرُ على المصرفِ المركزيّ الأوروبيّ استخدامُ هذهِ الأداةِ بموجبِ قوانينِ الاتّحادِ الأوروبيّ، لكن هذا قد لا يدوم طويلا إذ أنه في الثالثِ من إبريل ( نيسان ) من عامِ 2014، أشارَ رئيسُ المصرفِ المركزيّ الأوروبيّ ماريو دراجي في تصريحٍ مثيرٍ للجدلّ إلى أنّ التّيسيرَ الكمّيّ لم يتمّ استبعادهُ تماماً كأداةٍ منَ الممكنِ اللّجوءُ إلى استخدامها لمواجهةِ الانكماشِ الذي يعصفُ بمنطقةِ اليورو ( دولُ الاتّحادِ الأوروبّي التي تستخدمُ عملةَ اليورو).
ما هو التّيسيرُ الكمّي ؟
إنّ وسائلَ الإعلامِ غالباً ما تلجأُ لتصويرِ التّيسيرِ الكمّي على أنّه عبارةٌ عن سياسةٍ نقديّةٍ يقومُ بموجبها المصرفُ المركزيّ بزيادةِ حجمِ مركزهِ الماليّ ليتمكّنَ من زيادةِ حجمِ الأموالِ المخصّصةِ للإقراضِ عبر إصدارٍ نقديّ جديد. يقوم البنك المركزي باستخدام هذه النقود الجديدة لشراءِ الأصولِ من المصارفِ الأخرى، مما يزيد من السيولة لدى تلك المصارف، فتصبح بذلك قادرة على إعطاء المزيد من القروض للراغبين بذلك. ومعَ تيسيرِ الحصولِ على القروضِ فإنّ معدّلاتَ الفائدةِ سوفَ تتّجهُ للانخفاضِ، مما يزيدُ منَ القروضِ الاستهلاكيةِ والاستثماريةِ، فيؤدي بالتالي لزيادةِ الطّلبِ على السّلعِ والخدمات، مما يعني بالضرورةِ خلقَ المزيدِ من فرصِ العملِ ممّا سيودّي إلى انتعاشٍ اقتصاديّ.
التحديّاتُ التي تواجهُ فهمَ سياسةِ التّيسيرِ الكمّيّ
بنظرةِ أعمقَ للتّيسيرِ الكمّيّ نكتشفُ مدى تعقيدِ هذه السّياسةِ، " بن برنانكي " الخبيرُ في السّياساتِ النّقديّةِ، ورئيسُ مجلسِ الاحتياطيّ الفيدراليّ يشيرُ إلى فروقٍ واضحةٍ بين التّيسيرِ الكمّيّ و التسهيلِ الائتماني قائلاً " إنّ التسهيلَ الائتماني يشتركُ مع التّيسيرِ الكمّي في شيءٍ واحدٍ، ألا و هوَ زيادةُ حجمِ المركزِ الماليّ للمصرفِ المركزيّ، ولكن في حالةِ التّيسيرِ الكمّي فإنّ التّركيزَ يكونُ على زيادةِ حجمِ احتياطيّاتِ المصرفِ (زيادة في ميزانية البنك العامة - جانب المطلوبات)، حيثُ أنّ وجودَ مزيجٍ منَ القروضِ و الأوراقِ الماليّة يعتبرُ أمراً عرضياً غير مقصودٍ لذاتهِ، بينما يرتكزُ التسهيلُ الائتماني على خلقِ مزيجٍ منَ القروضِ والأوراقِ الماليّةِ الموجودةِ بحوزةِ المصرفِ المركزيّ (زيادة في ميزانية البنك العامة - جانب الموجودات والأصول)".
برنانكي نفسهُ يعترفُ بأنّ الاختلافاتِ بينَ سياستيّ التّيسيرِ الكمّيّ و التسهيلِ الائتماني " لا تعكسُ أيّ خلافٍ مذهبيّ"
و غالباً ما يقومُ المختصّونَ في الشّؤونِ الاقتصاديّةِ ووسائلِ الإعلامِ بتجاهلِ الفرقِ بينَ السّياستينِ وَ يلجؤونَ لإطلاقِ تسميةِ " التّيسيرِ الكمّيّ " على أيّ سياسةٍ تقومُ على شراءِ المصرفِ المركزيّ للأصولِ و تضخيمِ مركزهِ الماليّ، وهذا ما زادَ من اللّبسِ وعمقِ الخلافِ حولَ مفهومِ التّيسيرِ الكمّيّ.
ما مدى فاعليّةِ التّيسيرِ الكمّيّ؟
إن فاعليّةَ التّيسيرِ الكمّيّ من عدمها مازالَ موضوعاً قيدَ النّقاشِ حتّى يومنا هذا، هناكَ العديدُ من التّجاربِ والأمثلةِ التي قامَ فيها المصرفُ المركزيّ عبرَ التّاريخِ بزيادةِ عرضِ النّقودِ، من خلال "طباعةُ النقودِ" على الرغمُ من أنّها غالباً لا تكونُ سوى أرصدةٍ ألكترونيةٍ ولا تتضمّنُ أيّ طباعةٍ فعليّة.
إنّ تحفيزَ التّضخّمِ لتجنّبِ الانكماشِ هوَ أحدُ أهدافِ سياسةِ التّيسيرِ الكمّيّ، لكنَ التضخمُ بنسبٍ مرتفعةٍ قد يكونُ نتيجة غيرَ مرغوبٍ بها لسياسةِ التّيسيرِ الكمّي، كما حدثَ في ألمانيا خلالَ عشرينيّاتِ القرنِ العشرين و في زيمبابوي خلالَ العقدِ الأوّلِ من القرنِ الحادي والعشرين، حيثُ أنّ كلا الدّولتينِ قامتا باستخدامِ ما أطلقَ عليهِ الكثيرُ من علماءِ الاقتصادِ بـِ " التّيسيرِ الكمّي " و كانتِ النتيجةُ تضخمّاً هائلاً " بسبب زيادة عرض النقود دون أن يرافقها زيادة في كميات السلع و الخدمات المعروضة ". على الرّغمِ من ذلكَ فإن كثيراً من العلماءِ مازالوا يعتقدونَ أنّ ما قامت بهِ تلكَ الدّولُ هوَ شيءٌ مخلتفٌ عنِ التّيسيرِ الكمّي.
و لكن مَا الذي حدثَ فِي ألمانيا وَ زِيمبابوي !؟
خرجت ألمانيا منَ الحربِ العالميةِ الأولى باقتصادٍ ضعيفٍ و مثقلٍ بالديونِ ممّا دفعَ بالحكومةِ الألمانيّةِ لطباعةِ كميّاتٍ كبيرةٍ منَ النقودِ لسدادِ الديونِ المترتّبةِ عليها، وَلإنعاشِ الاقتصادِ الألمانيّ المنهارِ. في البدايةِ جرى الأمرُ بشكلٍ جيّدٍ إلى أن مضتُ الحكومةُ الألمانيّةُ شوطاً بعيداً في طباعةِ النّقودِ وعرضها ممّا أدّى إلى انخفاضِ قيمةِ العملةِ المحليّةِ وبدأَ معدّلُ أسعارِ السّلعِ والخدماتِ بالارتفاعِ فـباتَ يتوجّبُ على المستهلكِ دفعُ مبالغَ أكبرَ للحصولِ على ذاتِ المقدارِ منَ السّلعِ وَالخدماتِ ( وَهوَ ما يعرُفُ بالتّضخّمِ ).
أما في زيمبابوي فقد ظهرَ التّضخّمُ النّاتجُ عن طباعةِ العملةِ المحليّةِ بشكلٍ هائلٍ من جديد خلالَ العقدِ المنصرمِ، حيثُ كانت أسعارُ السّلعِ والخدمات تتضاعفُ بشكلٍ يوميّ في العامِ 2008، فـعلى سبيلِ المثالِ كانت الـ 50 بليون دولار منَ العملةِ المحليّةِ قادرةً على شراءِ قطعتين من الصّابونِ فقط لا غير، وبعدَ مدة أصبحَ هذا المبلغُ لايكفي إلا لشراءِ قطعةٍ واحدةٍ من الصابون، و في كانونَ الثّاني منَ العامِ 2009 قامتِ الحكومةُ بإصدارِ عملةٍ ورقيّةٍ من فئةِ 100 تريليون دولار و كانت قيمتُها تُعادلُ 20 جنيهاً استرلينياً، رغمَ أنّهُ وَ في إحدى المراحلِ السّابقةِ كانتِ العُملتانِ متساويتينِ في القيمةِ. تجدر الإشارة إلى أن طباعة العملةِ المحليّةِ لم تتوقّف إلّا بعدَ ضغوطٍ دوليّةٍ.
ماذا عن تجربةِ اليابانِ معَ التّيسيرِ الكميّ !؟
قامَ المصرفُ الاحتياطيّ اليابانيّ بزيادةِ احتياطيّاتهِ من 5 تريليون ين إلى 25 تريليون ين وذلكَ بينَ عاميّ 2001 و 2006، حيثُ شرعَ المصرفُ المركزيّ اليابانيّ في استخدامِ سياسةِ التّيسيرِ الكمّيّ في محاولةٍ لتحفيزِ اقتصادِ البلادِ الذي عانى منَ الركودِ، و لكنّ تكمنُ المشكلةُ في اختلافِ علماءِ الاقتصادِ حيالَ إن كانَ ما قامت بهِ اليابانُ تيسيراَ كميّاً أم أنّهُ سياسةٌ نقديةٌ أخرى !؟ كما أنّ الاختلافَ استمرّ ليشمَلَ نتائجَ هذهِ السّياسةِ فقد رأى البعضُ أنّ هذهِ السّياسةَ قد حقّقت نتائجَ إيجابيّةً كَـ تعزيزِ أداءِ المصارفِ الصّغيرةِ فيما يرى آخرونَ أنّها تسبّبت في نتائجَ سلبيّةِ يصرفِ النّظرِ عن الإصلاحِ الهيكليّ لهذهِ المصارفِ، كما أنّ الأموالَ التي خُصّصَت للاقراضِ لم يتمّ إعادةُ انفاقها أو استثمارها بشكلٍ كاملٍ وذلكَ بسببِ النّظرةِ السّلبيّةِ لمُستقبلِ الاقتصادِ والتي دفعتِ البعضَ للادّخارِ بدلَ الانفاقِ أوِ الاستثمارِ .
مازالَ الخلافَ قائماً حيالَ إذا ما كانَ للتّيسيرِ الكمّيّ أثرٌ نفسيّ على المستثمرين، فالخبراءُ يتّفقون بشكلٍ عام حيالَ كونِ التّيسيرِ الكمّيّ هوَ الملاذُ الأخيرُ لصنّاعِ السّياساتِ في حالةِ اليأسِ منَ الانتعاشِ الاقتصاديّ. فعندما يقتربُ معدّلُ الفائدةِ منَ الصفرِ ويستمرّ الاقتصادُ في تعثّرهِ فإنّ عامّةَ الشعب تفترضُ أنّ الحكومةَ ستقومُ بشيءٍ ما لتجاوزِ الأزمةِ، فالتّيسيرُ الكمّيّ حتى وإن لم يعطي النتيجة المطلوبة، فإنّهُ يظهرُ للعامّةِ على الأقلّ أنّ صنّاعَ السّياساتِ مهتمّونَ و يعملونَ بكلّ جدّ ليتمكّنَ الاقتصادُ منَ النّهوضِ من جديدٍ، كما أنه يساعدهم على التظاهرِ بأنّ الاقتصادَ نشيطٌ من خلالِ عمليّاتِ البيعِ والإقراضِ ممّا قد يشكّلُ دفعاً نفسيّاً للمستثمرينَ.
إنّ قيامَ المصرفِ المركزيّ بشراءِ الأصولِ عبر النّقودِ التي قامَ بإيجادها منَ العدمِ يعدّ تصرفاً يحتملُ قدراً منَ المخاطرِ، على سبيلِ المثالِ فإنّ شراءَ الأوراقِ الماليّةِ المدعومةِ بالرّهنِ العقاريّ يحملُ خطرَ العجزِ عن السّدادِ، كمّا أنّهُ يطرحُ وبشكلٍ جدّيّ أسئلةً من قبيلِ "ماذا سيحدثُ عندما يقومُ المصرفُ المركزيّ ببيعِ هذهِ الأصولِ مجددا للمصارف ويسحب السيولة النقدية التي قام بضخها مسبقا في السوق من التّداولِ، ممّا سيقلّلُ من عرضِ النّقودِ؟ "
من هوَ صاحبُ فكرةِ التّيسيرِ الكمّيّ؟
لم يكتف التيسير الكمي بكونه أمراً مثيراً للجّدلِ في كلّ ما يتعلّقُ بهِ وبمفهومهِ، لكنهُ مثيرٌ للجدل حتّى فيما يتعلّقُ بأصلهِ، فالبعضُ يعتقدُ أنّ الفضلَ يعودُ للاقتصاديّ البريطاني جون م. كينز في تطويرِ هذا المفهومِ، بينما يعتقدُ آخرونَ بأنّ المصرفَ المركزيّ اليابانيّ هوَ أوّلُ من طبّق هذهِ السّياسةَ، فيما يعتقدُ قسمٌ آخرٌ بأنّ ريتشارد فيرنر هو من صاغَ هذا التعبير.
الخُلاصة:
إنّ الجّدلَ المحيطَ بالتّيسيرِ الكمّيّ يعيدُ إلى أذهاننا العبارةَ السّاخرةَ الشّهيرةَ التي قالها وينستن تشرشل " لغزٌ ملفوفٌ بالغموضِ داخلَ أحجيةٍ " وحتّى هذه العبارة يختلفُ فيها بعضُ الخبراءِ.