ابو تراب
22-02-2011, 08:16 AM
قبل عامين بدأ مايكل بويل، المختص في علم الإنسان، إنجاز بحث حول خردة المعادن في كانتون، وهي بلدة صناعية سابقة شمال شرقي ولاية أوهايو. وكانت أمامه مفاجأة.
في العالم النامي الناس الذين ينبشون بحثاً عن البقايا يغلب عليهم أن يكونوا من المهمشين، إن لم يكونوا من المنبوذين. وهؤلاء يمضون كل حياتهم خارج الاقتصاد الرسمي ويعيشون ضمن اقتصاد الظل. لكن في كانتون صناعة الخردة يحركها عمال المصانع السابقون. ومع إغلاق عدد كبير من الصناعات أبوابه، انتقل هؤلاء العاطلون عن العمل إلى الاقتصاد غير الرسمي – وأصبحوا ماهرين في البحث عن الخردة في مصانعهم القديمة، في وقت تشهد فيه الصناعة ازدهارا هائلا في بلدان مثل الصين وتركيا.
وبحسب بويل ''في حزام الصدأ (المنطقة الصناعية الرئيسية في الولايات المتحدة) حيث تندر الوظائف وتتوافر الخردة بكثرة، ينتعش النشاط المتعلق بجمع الخردة''. ويضيف أن كثيرين من عمال المصانع السابقين ينظرون إلى أعمالهم – وإلى ارتباطها غير المتوقع بالصين – بمزيج غريب من الإحراج والافتخار المتحدي. وقال أحد عمال المصانع السابقين لبويل: ''تجارة الخردة أمر جيد أن يتعلمه شخص متقدم في السن''، فهي توفر له وسيلة لاستخدام مهاراته الصناعية التي لم تعد مطلوبة من قبل المصانع.
وثمة شعر رمزي في كل هذا، كما أن هناك سؤالاً قوياً لأمريكا. فانتشار إعادة التدوير في كانتون يمكن أن تمثل صورة مجازية للاقتصاد الأمريكي. فقد ارتفع معدل البطالة العام بحدة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي واقترب من 9.8 في المائة – وهو رقم مرتفع بما يبعث على الصدمة بحسب المعايير الأمريكية. وأدى ذلك فعليا إلى تحويل ملايين العمال إلى ''كومة الخردة'' بحيث يحتاجون في الوقت الراهن إلى ''إعادة تدوير'' كي يصبحوا قادرين على أداء أعمال جديدة. وحتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت إعادة التدوير البشري هذه ستنجح.
من المؤكد أن بعض العمال العاطلين عن العمل وجدوا أعمالاً. فقد تراجع معدل العاطلين في الشهر الماضي إلى 9 في المائة. وحين ألقى باراك أوباما خطاب حالة الاتحاد الأخير، أورد بشيء من الفخر حالات استطاع فيها أناس عاطلون عن العمل تحقيق تحول في مسيرتهم العملية.
مع ذلك، مقابل كل عامل تمت ''إعادة تدويره'' هناك آخرون ما زالوا في كومة العاطلين، لأنهم يفتقرون إلى المهارات التي تريدها الشركات. وغالباً ما يشكو التنفيذيون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثلا، من عجز في الموظفين المؤهلين – حتى وسط هذه الحالة الكثيفة من العطالة. وفي الواقع تشعر مجموعة تكنولوجيا المعلومات الهندية، إنفوسيس، بالضيق حتى أنها تدرس نقل بعض العمليات بعيداً عن الولايات المتحدة، حسب رئيسها التنفيذي، كريس غوبالاكرشمان.
والحل غير واضح. فقد تحدثتُ في الأسابيع القليلة الماضية عن الوظائف والمهارات مع قادة شركات في أماكن تمتد من ميامي إلى مينابوليس. وبعض هؤلاء يريد أن تقدم الحكومة تدريباً شاملاً للعاطلين عن العمل – بينما تعزز التعليم للجيل الأصغر. ويصر آخرون على أن الأمريكيين، كأفراد، ينبغي لهم متابعة خطط ''إعادة تدوريهم'' ومحاولة العثور على وظائف جديدة. ويرون أن التدخل المبالغ فيه من جانب الحكومة يمكن أن يؤدي إلى إبطاء مثل هذا الانبعاث العميق. وقال لي أحد كبار قادة الشركات في ميامي في الأسبوع الماضي: ''عمِل أجدادي في مزرعة، غير أن تلك الوظائف اختفت فاضطروا إلى التحرك وإيجاد أعمال جديدة. وتكرر حدوث مثل هذا الأمر في أمريكا''.
إن هذا الموضوع مثير للعواطف بشكل كبير، لأن من بين المكونات الرئيسية للحلم الأمريكي أن الجميع قادرون على إعادة اختراع أنفسهم، أو إعادة تدويرها. ويدعم هذا الأمر كذلك أي صيغة للتدمير الخلاق الذي يفترض أن رأسمالية السوق تعتمد عليه. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع إعادة تدوير عمالها على نحو فعال – أو على الأقل بالجودة ذاتها التي تعمل فيها على تدوير الزجاجات وأقراص الفيديو، وغير ذلك من الخردة – فإن ذلك يقلل من شأن الرؤية الكاملة للرأسمالية الأمريكية.
وعلى ذلك يمكن قراءة القصة في كانتون بطرق مختلفة. فبالنسبة لبعضهم يمكن أن تكون علامة مشجعة على مدى بقاء روح المغامرة وتأسيس المشاريع لدى الأمريكيين العاديين، في حين يرى فيها آخرون مؤشرا حزينا إلى تراجع القدرة على التكيف لدى العمال ذوي العلاقة وكذلك الدولة. وأياً كانت النظرة، فإن اقتصاد الظل هذا لن يختفي، طالما أن الصين بحاجة إلى تلك الخردة وطالما ظل أولئك العمال الأمريكيون بحاجة إلى السيولة – والوظائف.
في العالم النامي الناس الذين ينبشون بحثاً عن البقايا يغلب عليهم أن يكونوا من المهمشين، إن لم يكونوا من المنبوذين. وهؤلاء يمضون كل حياتهم خارج الاقتصاد الرسمي ويعيشون ضمن اقتصاد الظل. لكن في كانتون صناعة الخردة يحركها عمال المصانع السابقون. ومع إغلاق عدد كبير من الصناعات أبوابه، انتقل هؤلاء العاطلون عن العمل إلى الاقتصاد غير الرسمي – وأصبحوا ماهرين في البحث عن الخردة في مصانعهم القديمة، في وقت تشهد فيه الصناعة ازدهارا هائلا في بلدان مثل الصين وتركيا.
وبحسب بويل ''في حزام الصدأ (المنطقة الصناعية الرئيسية في الولايات المتحدة) حيث تندر الوظائف وتتوافر الخردة بكثرة، ينتعش النشاط المتعلق بجمع الخردة''. ويضيف أن كثيرين من عمال المصانع السابقين ينظرون إلى أعمالهم – وإلى ارتباطها غير المتوقع بالصين – بمزيج غريب من الإحراج والافتخار المتحدي. وقال أحد عمال المصانع السابقين لبويل: ''تجارة الخردة أمر جيد أن يتعلمه شخص متقدم في السن''، فهي توفر له وسيلة لاستخدام مهاراته الصناعية التي لم تعد مطلوبة من قبل المصانع.
وثمة شعر رمزي في كل هذا، كما أن هناك سؤالاً قوياً لأمريكا. فانتشار إعادة التدوير في كانتون يمكن أن تمثل صورة مجازية للاقتصاد الأمريكي. فقد ارتفع معدل البطالة العام بحدة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي واقترب من 9.8 في المائة – وهو رقم مرتفع بما يبعث على الصدمة بحسب المعايير الأمريكية. وأدى ذلك فعليا إلى تحويل ملايين العمال إلى ''كومة الخردة'' بحيث يحتاجون في الوقت الراهن إلى ''إعادة تدوير'' كي يصبحوا قادرين على أداء أعمال جديدة. وحتى الآن من غير الواضح ما إذا كانت إعادة التدوير البشري هذه ستنجح.
من المؤكد أن بعض العمال العاطلين عن العمل وجدوا أعمالاً. فقد تراجع معدل العاطلين في الشهر الماضي إلى 9 في المائة. وحين ألقى باراك أوباما خطاب حالة الاتحاد الأخير، أورد بشيء من الفخر حالات استطاع فيها أناس عاطلون عن العمل تحقيق تحول في مسيرتهم العملية.
مع ذلك، مقابل كل عامل تمت ''إعادة تدويره'' هناك آخرون ما زالوا في كومة العاطلين، لأنهم يفتقرون إلى المهارات التي تريدها الشركات. وغالباً ما يشكو التنفيذيون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثلا، من عجز في الموظفين المؤهلين – حتى وسط هذه الحالة الكثيفة من العطالة. وفي الواقع تشعر مجموعة تكنولوجيا المعلومات الهندية، إنفوسيس، بالضيق حتى أنها تدرس نقل بعض العمليات بعيداً عن الولايات المتحدة، حسب رئيسها التنفيذي، كريس غوبالاكرشمان.
والحل غير واضح. فقد تحدثتُ في الأسابيع القليلة الماضية عن الوظائف والمهارات مع قادة شركات في أماكن تمتد من ميامي إلى مينابوليس. وبعض هؤلاء يريد أن تقدم الحكومة تدريباً شاملاً للعاطلين عن العمل – بينما تعزز التعليم للجيل الأصغر. ويصر آخرون على أن الأمريكيين، كأفراد، ينبغي لهم متابعة خطط ''إعادة تدوريهم'' ومحاولة العثور على وظائف جديدة. ويرون أن التدخل المبالغ فيه من جانب الحكومة يمكن أن يؤدي إلى إبطاء مثل هذا الانبعاث العميق. وقال لي أحد كبار قادة الشركات في ميامي في الأسبوع الماضي: ''عمِل أجدادي في مزرعة، غير أن تلك الوظائف اختفت فاضطروا إلى التحرك وإيجاد أعمال جديدة. وتكرر حدوث مثل هذا الأمر في أمريكا''.
إن هذا الموضوع مثير للعواطف بشكل كبير، لأن من بين المكونات الرئيسية للحلم الأمريكي أن الجميع قادرون على إعادة اختراع أنفسهم، أو إعادة تدويرها. ويدعم هذا الأمر كذلك أي صيغة للتدمير الخلاق الذي يفترض أن رأسمالية السوق تعتمد عليه. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع إعادة تدوير عمالها على نحو فعال – أو على الأقل بالجودة ذاتها التي تعمل فيها على تدوير الزجاجات وأقراص الفيديو، وغير ذلك من الخردة – فإن ذلك يقلل من شأن الرؤية الكاملة للرأسمالية الأمريكية.
وعلى ذلك يمكن قراءة القصة في كانتون بطرق مختلفة. فبالنسبة لبعضهم يمكن أن تكون علامة مشجعة على مدى بقاء روح المغامرة وتأسيس المشاريع لدى الأمريكيين العاديين، في حين يرى فيها آخرون مؤشرا حزينا إلى تراجع القدرة على التكيف لدى العمال ذوي العلاقة وكذلك الدولة. وأياً كانت النظرة، فإن اقتصاد الظل هذا لن يختفي، طالما أن الصين بحاجة إلى تلك الخردة وطالما ظل أولئك العمال الأمريكيون بحاجة إلى السيولة – والوظائف.