التحليل الأساسي للمعادن الثمينة
الاقتصاد الدولي يتصدّع في بوتقة من ذهب، بين سخونة التضخم و برودة التباطؤ
الضعف الاقتصادي الذي يجتاح العالم بدا جلياً في بيانات الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة الماضي، حيث أظهرت بيانات الوظائف الأمريكية تباطؤاً حاداً في قطاع الوظائف الأمريكية كانعكاس للتباطؤ الاقتصادي الذي يجتاح الاقتصاد. برودة التباطؤ الاقتصادي تجتاح العالم، و الصين مع رفعها لمستويات الفائدة قد تسبب مزيداً من الضغوط السلبية التي يشهدها الاقتصاد الدولي. أزمة الديون الأوروبية تجد تارة بعض الحلول لنرى التفاؤل المستقبلي، لكن ما نلبث إلا و نرى امتداداً لها يقلق المتداولين و المتابعين للاقتصاد الدولي. كذلك، رفع سعر الفائدة في البنك الأوروبي قد يضيف على الاقتصاد الأوروبي تحديات كبيرة.
من ناحية أخرى، ترتفع مستويات التضخم، و لهيب الأسعار أصبح محسوساً في معظم أرجاء المعمورة. ارتفاع مستوى التضخم في الاتحاد الأوروبي إلى 2.7%، و في بريطانيا نرى مستويات التضخم قد وصلت إلى 4.5%. في الصين، نرى ارتفاعاً كبيراً في مستويات التضخم لتصل إلى 6.4% ليضع التضخم على الاقتصاد الدولي ثقلاً كبيراً آخر في وقت نرى فيه الاقتصاد الدولي يتراجع بشكل ملحوظ.
هذا المزيج من التضخم المرتفع، و الضعف الاقتصادي، سبباً تصدّعاً في الاقتصاد الدولي، فالسخونة تجتمع مع البرودة لنرى تصدّعاً في الاقتصاد يصعب شفاؤه الآن، حيث أن البنوك المركزية قد تكون غير قادرة على اتخاذ التدابير الكافية للحد من احتمال ارتفاع التضخم أكثر، فيما الاقتصاد متضرر فعلاً و يحتاج للدعم مجدداً، فالسياسات النقدية قد تقف عاجزة، فالصين و الاتحاد الأوروبي رفعا الفائدة، و هذا قد يسبب مزيداً من الضعف في الاقتصاد، فيما البنك البريطاني و الاحتياطي الأمريكي و غيرها الكثير عاجزة عن الحراك خوفاً من تفجّر التضخم في حال تم دعم الاقتصاد، أو تدهور الاقتصاد في حال محاولة تخفيض التضخم!
هذه الحالة أطلقت موجة صاعدة قوية على الذهب، و مع أن سعر الفضة ارتفع قليلاً خلال تداولات يوم الجمعة الماضي، إلا أننا نرى السعر اليوم عاد للانخفاض. بالنسبة للبلاتين، فنراه و قد انخفض خلال تداولات الجمعة الماضي و تداولات هذا اليوم. حتى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي لم يقوى على الذهب ! حيث نرى الطلب على الذهب أخذ منحنى قادر على وقف تأثيرات ارتفاع سعر صرف الدولار. ارتفاع سعر صرف الدولار كان بفعل عمليات جني أرباح واسعة في الأسواق المالية، و ترك الأصول المرتفعة العائد بعد بيانات الوظائف الأمريكية يوم الجمعة الماضي التي أظهرت نمواً في الوظائف لا يتعدّى 18 ألف وظيفة، فيما أشارت التوقعات إلى احتمال نمو في الوظائف بما يزيد عن 100 ألف وظيفة.
دفع الطلب في سعر الذهب خلال جلسة يوم الجمعة الماضي للارتفاع بمقدار 0.75%، و كان الذهب أكثر المعادن الثمينة ارتفاعاً و سجّل إغلاق جلسة نيويورك عند مستوى 1544.20 دولار للأونصة الواحدة. سعر الفضة ارتفع أيضاً و سجّل قرابة 0.74% من المكاسب خلال جلسة نيويورك، و نرى بأن سعر الفضة أغلق الجلسة عند مستوى 36.71 دولار للأونصة. لكن بالنسبة للبلاتين، فقد انخفض بمقدار 0.52% و أغلق التداول عند مستوى 1735.0.
إن تداولات المعادن الثمينة يوم الجمعة الماضي أظهرت مزيج القلق من الضعف الاقتصادي الكبير، و كذلك القلق من ارتفاع مستوى التضخم، حيث أن طلبت الملاذ الآمن اتجهت نحو الذهب، و بعض الطلب لتغطية مخاطر التضخم و المضاربات اتجهت نحو الفضة. فيما البلاتين، فقد بقي متأثراً في سلبية توقعات انخفاض حاد في أداء الاقتصاد الدولي.
سلبية الأسواق الآسيوية هذا اليوم كانت ملحوظة، حيث تبعت الأسواق الآسيوية اليوم مثيلتها الأمريكية يوم الجمعة الماضي. نرى مؤشر نيكاي الياباني و هو يتداول بانخفاض مقداره 0.67% فيما مؤشر هانج سينج قد انخفض بمقدار 1.08%. حتى مؤشر شنغهاي الصيني المركّب، فلم يستطع الارتفاع بشكل جيد و اكتفى باكتساب 0.20% رغم أن الصين شهدت بيانات هذا اليوم إيجابية نسبياً، أظهرت ارتفاع الفائض في الميزان التجاري ليصل إلى أعلى مستوى منذ سبع أشهر. لكن، حتى هذه البيانات التي تعتبر إيجابية على النمو الصيني، تشير إلى أن الاقتصاد الصيني يضعف الطلب فيه، حيث أن نمو الواردات انخفض مما يشير إلى أن محرّك الاقتصاد الدولي بدأ يقلل من دعمه للاقتصاديات في العالم.
نرى سعر الذهب يتداول في هذه اللحظات في استقرار فوق مستوى إغلاق نيويورك بقليل، لكن ميل تداولاته صاعد بالتأكيد! حيث أن سعر الذهب اليوم يتداول حول مستوى 1544.30 فوق إغلاق جلسة لندن بقليل، فيما نرى بأن سعر الفضة قد انخفض بمقدار 0.76% ليتداول في هذه اللحظات حول مستوى 36.43 دولار للأونصة الواحدة. بالنسبة لسعر البلاتين، فقد انخفض أيضاً هذا اليوم ممداً من خسائر يوم الجمعة و فاقداً 0.35% هذا اليوم بتداول سعره الآن حول مستوى 1729.00 دولار للأونصة.
استطاع الذهب مقاومة ارتفاع الدولار، و كذلك استطاع مقاومة انخفاض مؤشرات السلع و انخفاض سعر النفط، فنرى الطلب الكبير على الذهب يحافظ عليه من أن يحقق انخفاضاً قوياً. لكن في الحقيقة، استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي قد يقلل من إيجابية الذهب و قوّة الموجة الصاعدة.
لا يجب أن ننسى أن تكاليف الاستثمار و المضاربة في الذهب و تحديداً في السعر السوقي مرتفعة، و هذا ما يجعل المتداولين يحتاجون إلى موجات صاعدة قوية و جيدة تعوّض هذه التكاليف، و إن استطاع الدولار الأمريكي أن يقلل من القوّة الدافعة للصعود في سعر الذهب، قد نرى بداية لبعض عمليات جني الأرباح هذا الأسبوع من قبل المضاربين. لذلك، لننتظر و نرى كيف سوف تكون الموجة الصاعدة، مع مراعاة و حذر كبير في متابعتنا لمقدار هذا الارتفاع !