شهدنا أسبوعاً حماسياً مليئاً بالأحداث الهامة و التي انعكست على الأسواق الأوروبية و العالمية، فكانت موجة التشاؤم مسيطرة على شعور المستثمرين مع الخلاف السياسي الذي حصل في منطقة اليورو من ايطاليا و اليونان على خلفية الحكومات التي اُعتبرت غير قادرة على تخطي أزمة الديون و عدم التعامل معها بالشكل الصحيح إلا أن هذه الموجة قد تلاشت في نهاية الأسبوع مستبدلة بالقليل من التفاؤل.
كان تركيز المستثمرين الأكبر على الدولتين الأوروبيتين ايطاليا و اليونان اللتان شهدتنا تفكك سياسي أدى إلى استقالة الرئيس اليوناني السابق جورج باباندريو و تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ترأسها لوكاس باباديومس، و تهدف الحكومة للموافقة على حزمة المساعدات الجديدة بقيمة 130 مليار، و ذلك لتجنب تردي الأوضاع الاقتصادية اليونانية أكثر من الآن و تُشهر الإفلاس.
التركيز الآن بعد كل هذه الأحداث على الإجراءات و القرارات الجديدة التي ستقوم بها حكومة الائتلاف الجديدة، و الذي ينتظر منها القادة و المستثمرين إجراءات فعالة و دقيقة تنشل الدولة من الوضع المتدهور التي تعلق فيه.
أما ايطاليا التي أخذت حصة كبيرة جداً من تركيز المستثمرين نظراً لكونها ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، كما أنها تحمل أكبر دين في القارة بقيمة 1.9 مليار يورو، هذا و أنها لا تزال محور اهتمام المستثمرين للحظة الحالية، فقد شهدت حالة تفكك سياسي شديدة، أشار فيها المعارضة و الشعب لرفضهم رئيس الوزراء الحالي سيلفيو بيرليسكوني.
تراجع العديد من داعمين رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني عن موقفهم الداعم له، و البدء في رفض بقاءه كرئيس وزراء لتشتد هذه المطالبات من مُختلف الأطياف المؤيدة و المعارضة مشكلة ضغط كبير عليه، الأمر الذي أدى إلى إعلانه عن أنه سيقدم استقالته عُقب تمرير حزمة من الإجراءات التقشفية الهادفة لتقليص نسبة العجز في الميزانية و السيطرة على مستويات الدين المرتفعة جداً.
جاءت هذه المطالبات وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية للدولة و تحملها أكبر نسبة دين في القارة، و انكماش مختلف القطاعات في الاقتصاد، و استمر الخوف على ايطاليا بعد ارتفاع تكاليف الاقتراض على الدولة بشكل كبير لتصل فوق المستويات الحساسة جداً عند 7%، و هو المستوى الذي جعل كل من اليونان و البرتغال و ايرلندا طلب معونات مالية.
الخوف من مخاطر العدوى كان هو الهاجس الأكبر الذي يُخيف المستثمرين بشكل كبير خاصة بعد ارتفاع نسبة العائد على السندات الحكومية الايطالية لمدد استحقاق 10 أعوام لتصل فوق 7%، و ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تصيب البلاد و الذي جعل شركة إل سي إتش كليرنت ترفع نسبة الهامش على الديون الايطالية على المتداولين.
و في نهاية الأسبوع، وافق مجلس الشيوخ الايطالي على حزمة الإجراءات التقشفية المقترحة من رئيس الوزراء بيرسكلوني و الذي قد يقدم استقالته إذا تابع مجلس النواب الطريق و أصدر موافقته يوم السبت على هذه الحزمة أيضاً، و ذلك في سبيل تشكيل حكومة اضطرارية جديدة تقود البلاد لوضع اقتصادي أفضل نوعاً ما.
صوت أعضاء مجلس الشيوخ 156 موافقة مقابل 12 معارض لتمرير حزمة الإجراءات التقشفية، في حين أن حزب المعارضة لم يشترك في التصويت، الأمر الذي جعلها تمر بكل سهولة، و من جهة أخرى، تُعتبر هذه الإجراءات التقشفية ضرورية جداً و مطلوبة من قِبل الاتحاد الأوروبي ضمن السبل الهادفة لتخفيض نسبة العجز في الميزانية الايطالية، و السيطرة على الدين الايطالي الذي وصل إلى 1.9 مليار يورو.
لا تزال هنالك آمال نراها هنا و هناك في الأسواق حول الأزمة الأوروبية، و احتمالية انتهاء التفكك السياسي الايطالي الذي يتعلق به نوعاً ما مصير منطقة اليورو بأكملها و العملة الموحدة اليورو بكل تأكيد. الأمر الذي دعم اليورو بشكل جيد في نهاية الأسبوع مزيلاً بعض الخسائر التي حققها طوال الأسبوع.
تدور الأنظار حالياً حول ماريو مونتي الذي من المتوقع أن يستلم رئاسة الوزراء مشكلاً حكومة جديدة قد تكون اضطرارية مؤقتة في ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة، لتقود البلاد خارج دائرة الشك و تحسين أوضعها الاقتصادية نوعاً ما.
و باستمرار الحديث عن منطقة اليورو، فيجب أن نُشير هُنا أن الاقتصاد الأسباني شهد ثابتا خلال الربع الثالث مقارنة بالربع الثاني الذي سجل نمواً عند 0.2%، و ذلك وسط الظروف الاقتصادية الوخيمة التي تمر فيها الدولة إلى جانب تكثيف الإجراءات التقشفية في سبيل خفض نسبة العجز في الميزانية، و على المستوى السنوي، فقد نما الاقتصاد بمعدل 0.8%، و لكن لا بُد للإشارة عن مستويات البطالة المرتفعة في الدولة و التي أثارت قلق القادة الأوروبيين حول قدرة اسبانيا على تحقيق تخفيضات العجز المطلوبة وسط الضعف الاقتصادي، حيث وصل معدل البطالة في اسبانيا إلى 22%.
على إثر كل هذه الأحداث و المحبطات، قامت المفوضية الأوروبية بخفض التوقعات المستقبلية لنمو منطقة اليورو خلال العام القادم، و أشارت أنها ترى هنالك خطورة انحدار اقتصاد المنطقة و ركوده وسط عدم قدرة القادة على احتواء الأزمة، حيث أوضحت أن اقتصاد المنطقة قد ينمو بمعدل 1.5% هذا العام و 0.5% خلال عام 2012 و التي تُعتبر نصف التوقعات السابقة تقريباً.
بالتسلل للمملكة المتحدة التي تُعاني أيضاً من ضعف اقتصادي يشهد مسيرة نمو متواضعة جداً وسط ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير جداً لتصل إلى 5.2%، حيث قرر البنك المركزي البريطاني تثبيت سعر الفائدة عند مستوياتها القريبة من الصفر عند 0.5% مع حفاظه على برنامج شراء الأصول ثابتاً عند 275 مليار بعد أن كان قد قام برفعه في الشهر السابق بقيمة 75 مليار جنيه.
و بشكل عام، أنهى القادة الأوروبيين الأسبوع بقليلٍ من التفاؤل بعد ظهور بوادر التحسن على الوضع السياسي اليوناني و الايطالي، حيث تركزت عليهم الأنظار طوال الأسبوع و في نهاية الأسبوع على ايطاليا مع جلسة تصويت البرلمان الايطالي، لتحسين الاتجاه العام للأسواق و رؤية بعض التحسن على اليورو ليزيل بعض الخسائر التي كان قد حققها سابقاً خلال الأسبوع.