كان صعود الصين الاقتصادي في وقت من الأوقات موضع ترحيب في الغرب، لكن منذ الأزمة المالية ينظر إلى الصين على نحو متزايد بأنها تتبع سياسية محلية تقوم على الهيمنة الحكومية، وسياسة دولية مدفوعة بمبدأ ''أفقِر جارك'' الميركنتالي. وهناك أدلة تدعم هذه المخاوف، لكنها لا تضيف إلى قرار مقصود ومتعمد باتباع أنموذج أكثر عدوانية. وإذا أخطأ الغرب في تفسير التغييرات الصينية، فإنه سيزيد الأمور سوءاً فقط.
صحيح أن الاقتصاد الصيني يتحرك في اتجاه أساسه الدولة. فقد تم التعافي من الأزمة بمساعدة حزمة كبيرة من الحوافز. وأضاف الإنفاق المحلي لهذا، مما أدى إلى ديون محلية تدعمها الحكومة تقارب ألف مليار دولار. ويمكن للتغيرات في السياسة الصناعية أن تسبب القلق أيضاً. فقد أثارت خطط الدولة الرامية لتعزيز التطور التكنولوجي حتى عام 2020 مخاوف في أوساط الشركات الغربية من أن يعطي الدعم الحكومي ميزة غير عادلة للشركات الصينية. وستنضم الصين أيضاً لاتفاقية المشتريات الحكومية الموضوعة من قبل منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي يضمن لها وصولاً متساوياً للشركات الأجنبية والمحلية.
لا بل إن سياسة الصين الدولية تطلق نذراً أعلى. إن عدم استعدادها للسماح بارتفاع قيمة الرنمينبي معروف جيداً، وكذلك الأمر بالنسبة لشراء حقول النفط، والمناجم، والأصول المادية والمالية حول العالم من قبل الشركات التي تدعمها الدولة. وقد استثمرت الصين 59 مليار دولار في الخارج عام 2010.
وإذا أخذت هذه الخطوات معاً، فإنها تبدو كتغيير جذري في السياسة . لكن من الأفضل النظر إليها كنتيجة لحكومة تتخذ خيارات صعبة في ظل القيود السياسية المتنامية، لا نتاجاً لاستراتيجية متسقة بدأت تصبح عدوانية في الآونة الأخيرة.
إن الدافع الحالي للاستثمار المحلي، مثله مثل الدافع الذي أعقب الأزمة الآسيوية عام 1997، هو دافع دوري أكثر منه دافع دائم. ومن المرجح أن يكون لسياساتها الصناعية الجديدة، مثلها مثل كثير من السياسات السابقة، أثر ضئيل على الأنماط الاستثمارية. فالقطاع الصناعي تهيمن عليه الشركات الخاصة، والشركات التابعة للدولة تشكل أقل من 30 في المائة من القيمة المضافة. وعلى الصعيد الدولي، إصرار الصين على استقرار الرنمينبي جزء من سياسة أوسع مصممة لضمان قوة التشغيل والاستقرار الاجتماعي، وليست محاولة للحصول على مكاسب غير مؤكدة من الشركاء التجاريين.
وتفسر بعض هذه التحركات عبر بروز مجموعات مصالح خاصة قوية في بعض مجالات السياسة وقيامها بتشكيل الطريقة التي تتصرف بها الدولة. ويعتبر دافع الموارد في الخارج مسألة في صميم الموضوع. مثلا، تعتبر ملكية مصادر النفط من قبل كثيرين أمراً بالغ الأهمية لضمان إمدادات ثابتة. وفي الحقيقة ليس من الواضح لماذا تعتبر هذه السياسة أفضل كثيراً من شراء النفط من السوق الدولية، ولذلك فإن الدعم الذي تقدمه الدولة يمكن أن يكون ببساطة طريقة للرد على الضغط باتجاه دعم شركاتها النفطية الكبرى الثلاث. وتعتبر هذه التطورات في الأغلب رداً براجماتيا على ضغوط محددة.
بيد أن هناك تحولاً أيديولوجياً أخذ يظهر في شرائح معينة من المجتمع الصيني، خاصة داخل الحكومة وبين الأشخاص ذوي الأيديولوجية اليسارية. إنهم يؤكدون أن الصين تقوم فعلاً بخلق أنموذج اقتصادي واجتماعي جديد، وهو أنموذج متفوق على الأسلوب المبني على قواعد السوق، السائد في الغرب. وتعتبر الأزمة المالية، بشكل خاص، نقطة تحول كي يترسخ الأنموذج الذي يقوم على تدخل الدولة.
إن هؤلاء الأشخاص على خطأ واضح . فمن ناحية لا يمكن تفسير الصعود الاقتصادي للصين بشكل مناسب من دون القيام بإصلاحات تتمشى مع قواعد السوق. ومن ناحية أخرى، الاستثمار الذي تقوم به الحكومة يفاقم مشاكل عدم التوازن في الصين عبر تشجيع المشاريع التي تتطلب رأسمال كبير وعبر عدم زيادة دخل العامل – الأمر الذي يجعل هدف الحكومة بعيد التحقيق، وهو الهدف الوارد في خطتها الخمسية الثانية عشرة، والرامي لزيادة دخل الأسرة.
ورغم ذلك، فإن تزايد هذا التوجه أوجد قلقاً لدى صانعي السياسات في الولايات المتحدة. ولتقليل ذلك، يجب على الزعامة الصينية أن تدرك أن مزيدا من تدخل الدولة لن يعود بفوائد طويلة المدى على الصين ولن يتحمله الغرب بسهولة. ومن جانبها، ينبغي للولايات المتحدة أن تدرك أنه رغم قوة الحكومة الصينية، فليست كل حركة تقوم بها هي نتيجة خطة منسقة. إن مبدأ تدخل الدولة يعتنقه بعضهم، لكن كثيرين يعتقدون أن طريق السوق هو الطريق الصحيح الذي ينبغي اتباعه.
لقد تمخضت سياسة واشنطن القائمة على الاشتباك البناء عن تغييرات إيجابية في الصين. وينبغي لها الآن أن تحدِّثها، لا أن تهجرها – للتعامل مع صين أكثر تعقيداً لا أكثر عدوانية.
الكاتب مدير المعهد الصيني للبحوث الاقتصادية في جامعة بكين.