لميرفين كينج أسلوب جاف في التعبير عن نفسه وكان في حال صراحة فظة في الآونة الأخيرة. ففي مقابلة معه، لم يتصنّع محافظ بنك إنجلترا عندما تحدث عن الحاجة إلى إصلاح مالي. وإضافة إلى بعض السخرية من أخلاقيات الصناعة، ألمح إلى أن المصرفيين لا يزالون يعيشون خارج اقتصاد السوق. ولذلك لا يزالون قادرين على أن يدفعوا لأنفسهم مثل تلك المكافآت الكبيرة.
وفي حين أن أقساما في حي المال لم تعر أي اهتمام لتصريحات كينج، إلا أنه كان مصيباً تماما في الإفصاح عنها. صحيح أن خطوات قد تم اتخاذها لجعل البنوك أكثر أماناً ـــ ولا سيما استحداث معايير رأسمالية أكثر صرامة ـــ لكن مشكلة ''أكبر من أن يفشل'' لم يتم حلها بعد بصورة ملائمة. وربما كانت بريطانيا تتمتع الآن بالصلاحيات القانونية للحفاظ على استمرارية العمليات المصرفية الجوهرية في حالة الانهيار، فيما تخصص الخسائر على الدائنين. لكن صدقية ذلك لم تتحقق من خلال التطبيق حتى الآن.
ومثلما أظهر تحليل بنك إنجلترا نفسه، فإن معنى ذلك هو أن البنوك ما زالت غير قادرة على الاستدانة بأسعار مخفضة اصطناعياً، لأن الدائنين لا يعتقدون أنه سيسمح لهم بالانهيار. وهذا بدوره يشجع على السلوك المحفوف بالخطر وبالتالي المكافآت المفرطة.
وهذا يفسر لماذا ثارت تلك الضجة على قرار باركليز ـــ وهو بنك يحظى بمليارات الجنيهات الاسترلينية من هذا الدعم الضمني من دافعي الضرائب ـــ دفع 100 مليون جنيه استرليني مكافآت جارية ومؤجّلة لثلاثة من كبار تنفيذيه.
بالنظر إلى البنوك المؤيدة لدافعي الضرائب لم يكن الأمر غير مقنع فحسب، بل خطير من منطلق الاستقرار المالي. ولكينج اهتمام مشروع بتصحيح ذلك. ففي النهاية، عندما يكسب البنك في نهاية الأمر صلاحيات جديدة وعدت بها الحكومة في العام الماضي، فإنه أو خليفته سيحظى بمسؤولية نهائية فردية كبيرة بشأن الاستقرار المالي والإشراف المصرفي.
وفي حين أن الكل يتبرع بخدمة شفهية بشأن الحاجة إلى نظام أكثر أماناً، إلا أنه ما من أحد يبدي التزاماً عميقاً بذلك. وفي الأشهر الأخيرة ظل القطاع المالي يضغط بشراسة متزايدة حتى ضد التغيير الهيكلي، أو المتطلبات الرأسمالية المرتفعة، مجادلاً بأن البنوك في الحال الذي هي عليه أكثر أماناً بشكل كبير. وحذرت مؤسسات من أن مزيداً من التنظيم ربما تنتج عنه ببساطة عمليات هروب إلى ولايات قضائية أقل تشدداً. ويتحدث بنك إتش إس بي سي إلى حملة أسهمه بشأن ما إذا كان عليه نقل مقره إلى هونج كونج. وألمح بنك ستاندار تشارتر إلى أنه قد يفعل الشيء نفسه.
ومثل هذه التهديدات ينبغي التخلي عنها، ليس لأنها غير منطقية فحسب، بل لأنها مطعون في صدقيتها أيضا. فليس من الواضح ماذا يعني ''الانتقال إلى الخارج'' بالفعل. ففي حال نقل بنك مثل باركليز مقره الرئيسي، فتأثير ذلك على بريطانيا سيكون بلا شك طفيفاً طالما أنه سيواصل أداء معظم نشاطاته فيها ويدفع الضرائب للبلاد. ما هو أكثر ترجيحاً على أية حال، هو أنه بدلاً من خلع الأوتاد مرة واحدة، فإن بعض البنوك ربما تقلل من استثماراتها الجديدة في بريطانيا. وهذا يمكن أن يخفف قليلاً من جاذبية حي المال، لكنه لن يكون كارثة. وإذا ما أصبح ذلك ثمناً للاستقرار المالي، فربما يكون ثمناً يستحق الدفع.
وفي حين أن من الجيد الشعور بالقلق على القدرة التنافسية لحي المال اللندني، إلا أنه ما من قيمة تذكر لنظام مالي غير مستقر. وعلى الحكومة ألا تحاول المساومة على إرادتها بالسماح بممارسات خطيرة.
إن كينج لم يفصح عن تفضيلاته بشأن الإصلاح. وهذا على الأرجح أمر يتسم بالحكمة، لأن هيئة مصرفية مستقلة قد تم تشكيلها للنظر في تلك المسائل وستصدر تقريرها المبدئي الشهر المقبل. ومن المؤمل أنه بالمجادلة لصالح الإصلاح، أن يسهم كينج في منح الهيئة الفضاء السياسي اللازم للإجابة بأمانة عن المسألة المطروحة، وأن يتم أخذ توصياتها بجدية.